الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

الشفاعة

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب السنة
الشفاعة
بقلم الرئيس العام : محمد صفوت نور الدين

الحمد للَّه وحده الهادي لكل خير ، والصلاة والسلام على محمد نبيه ورسوله وعبده الصادق الأمين ، وبعد :
بعد أن ذكرنا ما أعان اللَّه ، عز وجل ، به في أمر الشفاعة في عددين سابقين؛ نورد إيضاحـًا لبعض المسائل الهامة ، نذكر فيها أقوال بعض أهل العلم ، لنجلي بها ، ونكشف ما اشتبه على بعض الناس .
الشفاعة ثابتة :
قال القاضي عياض في (( شرح مسلم )) ( ج1 ص565 ) : مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلاً ، ووجوبها بصريح قوله تعالى : { لاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ } [ طه : 109 ] ، { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَ لِمَنِ ارْتَضَى } [ الأنبياء : 28 ] وأمثالها ، وبخبر الصادق سمعـًا ، وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحتها في الآخرة لمذنبي المؤمنين ، وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة عليها ، ومنعت الخوارج(2) وبعض المعتزلة منها ، وتأولت الأحاديث الواردة فيها ، واعتصموا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار ، واحتجوا بقوله : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } [ المدثر : 48 ] ، وبقوله : { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } [ غافر : 18 ] ، وهذه الآيات في الكفار ، وتأولوا أحاديث الشفاعة في زيادة الدرجات وإجزال الثواب ، وألفاظ الأحاديث التي في الكتاب وغيره تدل على خلاف ما ذهبوا إليه .
وينبغي ألا يستهين عبد بدخول النار ، ثم الخروج منها ؛ لأنه عذاب النار أليم يفوق كل نعيم الدنيا ، ولا يجوز لعبد أن يستهين بنعيم الجنة ودخولها ، ولو لحظة ؛ لأن لا طاقة لمن عرف الجنة ونعيمها أن يتحمل بقاءه خارجها ، وفي ذلك وردت نصوص شرعية كثيرة ؛ منها :

عن أنس ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( يُؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة ، فيصبغ في النار صبغة ، ثم يُقال : يا ابن آدم ، هل رأيت خيرًا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول : لا واللَّه يا رب ، ويؤتى بأشد الناس بؤسـًا في الدنيا من أهل الجنة ، فيصبغ صبغة في الجنة ، فيقال له : يا ابن آدم ، هل رأيت بؤسـًا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول : لا واللَّه يا رب ، ما مر بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط )) . أخرجه مسلم (2807) .
أخرج البخاري ومسلم عن أنس يرفعه : (( أن اللَّه تعالى يقول لأهون أهل النار عذابـًا : لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به ؟ قال : نعم : قال : فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم ؛ أن لا تشرك بي ، فأبيت إلا الشرك ))(3).
تنبيه :
أولاً : في حديث أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، الذي روى فيه قصة الشفاعة يوم القيامة ، أن المحامد التي يلهمها النبي صلى الله عليه وسلم كانت بعد السجود ، وفي حديث أنس قبل السجود في حالة القيام ، وذلك يدل على أنه عليه الصلاة والسلام أكثر من التحميد والثناء في هذا المقام كله في قيامه وسجوده ، إلى أن أسعف في طِلْبته .
ومن المعلوم أن الآخرة دار جزاء ، فلا يظن أحد أن المحامد التي يقوم بها الشافعون تقربـًا لربهم ليشفعوا أنها من قبيل التكليف الذي يستلزم المشقة ، بل هو من قبيل التنعيم ، ويعين على فهم ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم يصف أهل الجنة ، في الحديث الذي أخرجه مسلم في (( صحيحه )) من حديث جابر بن عبد اللَّه ، رضي اللَّه عنه : (( يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ، ولا يتغوطون ، ولا يتمخطون ، ولا يبولون ، ولكن طعامهم ذاك جشاء كرشح المسك ، يلهمون التسبيح والحمد كما تلهمون النَّفس )) . ومعلوم أن العبد يجد السعادة في يسر تنفسه ، والشقاء في منع نفَسه من الخروج والدخول .
ثانيـًا : لا شك في أن الكفار متفاوتون في العذاب ، كما علم من الكتاب والسنة ، فمعلوم على القطع أن عذاب من قتل الأنبياء وفتك بالمسلمين ، وأفسد في الأرض ليس مساويـًا لعذاب من كفر فقط وأحسن معاملة المسلمين – مثلاً – فلم يسفك لهم دمـًا ، أو يهتك لهم عِرضـًا ، بل أحسن معاملتهم .
قال ابن حجر : تفاوت الكفار في العذاب لا شك فيه ، ويدل عليه قوله تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } [ النساء : 145 ] .
فريق في الجنة وفريق في السعير :
اعلم أخا الإسلام : أن رب العزة سبحانه قضـى
قضاءً قد فرغ سبحانه منه ، وذلك القضاء أن رب العزة سبحانه علم أهل الجنة من أهل النار ، وكتبهم في كتاب عنده ، فلا يزاد عليهم ولا ينقص ، ونعلم أن أهل الجنة ينقسمون إلى قسمين :
الأول : الذين يدخلون الجنة بغير سابقة عذاب ، وهم أقسام :
أ- الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب .
ب- الذين قضى اللَّه عليهم الحساب فرجحت حسناتهم سيئاتهم .
ج- الذين قضى اللَّه عليهم الحساب فرجحت سيئاتهم فأخذوا إلى النار ، ولكن تداركتهم رحمة ربهم فعفا عنهم ، أو قَبل فيهم شفاعة الشا

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا