الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

تأويل رؤيا يوسف

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب السيرة
وقفات مع القصة في كتاب الله
تأويل رؤيا يوسف عليه السلام
بقلم الشيخ :عبد الرازق السيد عيد

أحمد ربي حمدًا طيبـًا مباركـًا فيه ، وأصلي على صفوته من خلقه وخاتم رسله ، نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد :
أخي القارئ الكريم ، وقفنا بك في لقائنا السابق عندما أعطى يوسف عليه السلام إخوته قميصه ، وطلب منهم أن يذهبوا به فيلقوه على أبيهم يأتي بصيرًا ، وتأمل قوله : { يَأْتِ بَصِيرًا } ، فجمع له بعبارة بليغة موجزة بين الشفاء من العمى وبين حضوره إلى مصر واجتماعه بيوسف عليه السلام ، وإذا قلت لي : كيف عَلِمَ يوسف عليه السلام
قلت لك : ألم يكن يوسف عليه السلام نبيـًّا ؟ ستكون إجابتك – بلا شك -: نعم . إذن فلماذا تتعجب مما سبق ؟ ألم تعلم أن اللَّه يجري الكرامات لأنبيائه وأوليائه كرامة لهم وإكرامـًا ؟ فإذا زال عجبك من هذه إيمانـًا باللَّه وإذعانـًا له وتسليمـًا لحكمه ، فلا تتعجب من الكرامة التالية :
{ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } [ يوسف : 94 ] ؛ ولما فصلت العير خرجت القافلة من مصر متجهة إلى الشام تحمل قميص يوسف عليه السلام إلى أبيه ؛ أي بمجرد خروج الأبناء من مصر متجهين إلى الشام وجد يعقوب عليه السلام رائحة يوسف ، وأخبر أبناءه ومن حوله من الحاضرين في الشام الذين لم يعلموا شيئـًا عن يوسف وحياته ، أخبرهم أنه يشمُّ رائحة يوسف ، لكن الشيخ النبي يعلم رد الفعل عند السامعين ، فقال : لولا أنكم ستقولون : شيخ خرف ، يهرف بما لا يعرف ، وحقـًّا ما توقع يعقوب عليه السلام ، فقد كان ردَّهم عجيبـًا : { قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ } [ يوسف : 95 ] ، كان هذا مع الأسف ردُّهم ، وإن التمسنا لهم بعض العذر في اعتقادهم بموت يوسف عليه السلام وشدة حزن أبيه عليه ، فليس عذر في جهلهم بنبوة يعقوب عليه السلام ، فهم يعلمون أنه نبي يعلم من اللَّه ما لا يعلمون ، ولقد قال لهم ذلك مرَّة تلو مرة .
والنبي يعلم من اللَّه ما لا يعلمه غيره ، ويأتيه من الأخبار ما لم يأت غيره ، فليس عجيبـًا أن يشم ريح يوسف عليه السلام من مشارف مصر وهو بالشام ، ولن نبحث كما بحث كثير من المفسرين عن كيفية ذلك ، فإن الفاعل هو اللَّه ، الذي يفعل في ملكه ما يشاء بالكيفية التي يشاء ، لكن الذين كانوا حول يعقوب عليه السلام ردوا ذلك بعقولهم ، وكذلك من يكون على شاكلتهم في كل زمان سيردُّ ذلك بعقله ، أما من كان يؤمن بقدرة اللَّه في ملكه ، وإكرامه لأنبيائه وأوليائه فسيقابل الأمر بالرضى والتسليم ، ولم يمض وقت طويل حتى جاء البشير يحمل القميص ، قال تعالى : { ‏فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا } [ يوسف : 96 ] .وهكذا صار الأمر المستبعد – في نظر أولئك – حقيقة ، وجاء حامِل قميص يوسف عليه السلام ، وألقاه على يعقوب عليه السلام فعاد بصر يعقوب بفضل اللَّه ومشيئته ، وكان حامل القميص هو أحد الأبناء العائدين من مصر ، وقيل : إنه (( يهوذا )) ، وقيل غيره ، المهم أنه أحد الأبناء ، أراد أن يُسرِع بالبشرى لأبيه قبل إخوته ، وهذا لم يزد يعقوب عليه السلام عن قوله لمن حوله : { أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ يوسف : 96 ] .
هذا هو ردُّ يعقوب النبي على الذين اتهموه في عقله ، وتعجبوا من قوله ، ذكَّرهم بأنه نبي ، وأنه يعلم من اللَّه ما لا يعلمون ، وهذه هي النبوة ، فلم يكن هناك مبرر لاستنكارهم عليه ما أخبرهم به ؛ لأنه يعلم من اللَّه ما لا يعلمون ، وهذا درس يجب أن يتعلم منه كل من يعمل عقله في منهج الأنبياء إعمالاًً مجردًا كما يفعل المعتزلة وأضرابهم .
نعود إلى يعقوب عليه السلام وأبنائه ، وبعد رؤية الأبناء للكرامة التي أكرم اللَّه بها يوسف ويعقوب عليهما السلام ، وبعد عودة بصر يعقوب إليه بإذن اللَّه بعد إلقاء القميص عليه ، وحضر باقي الإخوة من مصر ، هنا رجع الأبناء إلى أنفسهم واعترفوا بخطئهم ، كما أخبر اللَّه عنهم : { قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } [ يوسف : 97 ] .
أجمع على هذا القول جميع الأبناء الذين جاءوا من مصر ، والذين كانوا في مجلس الشيخ بالشام ، الجميع اعترف بخطئه في حق يعقوب النبي الذين قالوا قديمـًا : { إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ يوسف : 8 ] ، والذين قالوا آنفـًا : { تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ } . الآن ثبت للجميع أنه يعلم من اللَّه ما لا يعلمون ، فاعترفوا جميعـًا أنهم كانوا خاطئين في ظنهم السوء بيعقوب النبي ، وقولهم السوء على يعقوب النبي ، عليه الصلاة والسلام ، وعند ذلك وعدهم يعقوب أن يستغفر لهم اللَّه متحريـًا وقتـًا أنسب للاستغفار والدعاء ، فقال –

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا