الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

لماذا يحج البيت ؟

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب التفسير
بقلم الدكتور : عبد العظيم بدوي
لماذا يُحج البيت ؟!‏

قال تعالى : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ(96)‏فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ‏مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) [ آل عمران: 97] .‏
هاتان آيتان من سورة ( آل عمران ) ، فرض الله بنهايتهما حج البيت على من ‏استطاع إليه سبيلاً ، وخص بدايتهما بذكر فضائل هذا البيت التي بها استحق ‏أن يُقصد – دون غيره – للحج ، فلنبدأ بما بدأ الله به ، فنقول : إن الله تعالى ‏فضل بعض مخلوقاته على بعض ، ورفع بعضهم فوق بعض درجات ، وعمّ هذا ‏التفضيلُ الإنسان والحيوان والجمادات ، ومن هذا تفضيله سبحانه وتعالى للبلد ‏الحرام – مكة – على سائر البلاد ، وتفضيله للمسجد الحرام على سائر المساجد ‏‏، ومن فضائل البلد الحرام أن الله تعالى أقسم به في موضعين من كتابه ، فقال ‏سبحانه : ( لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ(1)وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ) [ البلد : 1 ، 2] ، ‏وقال : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ(1) وَطُورِ سِينِينَ(2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) [ التين : 1 – 3] ، وما أقسم به ‏إلا لشرفه وفضله ، وكونه أحبُّ البلاد إليه ، كما في الحديث عن عبد الله بن ‏عدي بن الحمراء ، رضي الله عنه ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏وهو على ناقته واقفٌ بالحزْورة – موضع بمكة – يقول : ( والله إنك لخيرُ أرض ‏الله ، وأحبُّ أرض الله إلى الله ، والله لولا أني أُخرجت منك ما خرجت ) . [ ‏صحيح ابن ماجه : (2523) ] .‏
ومن فضائله ما رواه الشيخان عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة : ( إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق ‏السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنه
لم يحمل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحلّ لي إلا ‏ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يُعضد شوكه ، ولا ‏يُنفر صيده ، ولا يلتقط لقطته ، إلا من عرّفها ، ولا يُختلى خلاه ) . فقال ‏العباس : يا رسول الله ، إلا الإذخر ، فإنه لقينهم وبيوتهم ، فقال : ( إلا ‏الإذخر ) .‏
ومن فضائل المسجد الحرام ؛ كونه أول بيت وضع للناس لذكر الله والصلاة ‏والطواف والاعتكاف ، كما في الآية الكريمة ، وكما في ( الصحيحين ) عن أبي ‏
ذر ، رضي الله عنه ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد ‏وُضع في الأرض ؟ فقال : ( المسجد الحرام ) . قلت : ثم أيّ ؟ قال : ( المسجد ‏الأقصى ( .قلت : كم بينهما ؟ قال : ( أربعون عامًا ) . ‏
ومنها كونه مباركًا .‏
قال الفخر الرازي ، رحمه الله : البركة لها معنيان : أحدهما : النمو والتزايد ‏‏، والثاني : البقاء والدوام .‏
يُقال : تبارك الله ؛ لثبوته لم يزل ، والبرْكة شبه الحوض لثبوت الماء فيها ، ‏وبرك البعير : إذا وضع صدره على الأرض وثبت واستقر .‏
فإن فسّرنا البركة بالتزايد والنمو فهذا البيت مبارك من وجوه : ‏
أحدها : أن الطاعات يزداد ثوابها فيه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( صلاة في ‏مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد ، إلا المسجد الحرام ) . ‏‏[ متفق عليه ] .‏
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ‏ولدته أمه ) . [ متفق عليه ] .‏
ومعلوم أنه لا أكثر من بركة ما يجلب المغفرة والرحمة .‏
وثانيها : قال القفال ، رحمه الله تعالى : ويجوز أن يكون بركته ما ذكر في قوله ‏تعالى : ( يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ) [ القصص : 57] ، فيكون كقوله : ( ‏إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) [ الإسراء : 1] .‏
وثالثها : أن العاقل يجب أن يستحضر في ذهنه أن الكعبة كالنقطة ، وليتصور ‏أن صفوف المتوجهين إليها في الصلوات كالدوائر المحيطة بالمركز ، وليتأمل كم ‏عدد الصفوف المحيطة بهذه الدائرة حال اشتغالهم بالصلاة ، ولا شك أنه ‏يحصل فيما بين هؤلاء المصلين أشخاص أرواحهم علوية ، وقلوبهم قدسية ، ‏وأسرارهم نورانية ، وضمائرهم ربانية ، ثم إن تلك الأرواح الصافية إذا ‏توجهت إلى ربها وتوجهت أجسادهم إلى تلك الكعبة الحسية ، ازدادت في ‏قلوبهم الأنوار الإلهية : ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) [ النور : 35] .‏
وأما إن فسّرنا البركة بالدوام فهو أيضًا كذلك ؛ لأنه لا تنفك الكعبة من ‏الطائفين والعاكفين والركع السجود ، وأيضًا الأرض كرة ، وإذا كان كذلك فكل ‏وقت يمكن أن يفرض فهو صبح لقوم ، وظهر لثان ، وعصر لثالث ، ومغرب ‏لرابع ، وعشاء لخامس ، ومتى كان الأمر كذلك لم تكن الكعبة منفكة قط عن ‏توجه قوم إليها من طرف من أطراف العالم لأداء

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا