الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

باب السيرة

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب السيرة
اللقاء الثاني بين يوسف عليه السلام وإخوته ‏
بقلم الشيخ / عبد الرازق السيد عيد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد ، ‏وعلى آله وصحبه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين .‏
أخي القارئ الكريم ، وقفنا معًا في لقائنا السابق عند استعداد الإخوة للرحيل ‏متوجهين إلى مصر بغرض الحصول على الطعام بعد موافقة أبيهم على اصطحاب ‏أخيهم الذي طلبه منهم يوسف عليه السلام .‏
وقد اشترط عليهم أبوهم وأوصاهم بالأخذ بالأسباب والاعتماد على رب الأسباب ، ‏وهنا نصل معًا إلى وقفتنا الجديدة اليوم ، والتي ستكون – بحول الله وطوله ومدده ‏‏- كما يلي :‏
أولاً : مع قوله تعالى : ( وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ ‏فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [ يوسف : 69] .‏
هذا هو الدخول الثاني لإخوة يوسف على يوسف عليه السلام وهو عزيز مصر ، ‏وقد عرفهم منذ دخولهم عليه لأول مرة ، وهم لم يعرفوه وما زالوا حتى الآن لا ‏يعرفونه ، وهو لم يخبرهم عن نفسه بعد ، لكنه اختلى بأخيه الشقيق وأخبره عن ‏نفسه وبما هو عازم عليه من خطة لاستبقائه معه في مصر .‏
ذلك حتى يكون أخوه على بينة من أمره ولا يحدث له شيء من الخوف أو الفزع ، ‏وكذلك أراد إكرام أخيه بهذه الخصوصية تمهيدًا لجمع الشمل .‏
قال ابن القيم : ( وإنما لم يعرِّف إخوته بنفسه لأسباب فيها منفعة لهم ولأبيهم ‏وله ، وتمام لما أراد الله تعالى بهم من الخير في هذا البلاء ، وأيضًا فلو عرَّفهم نفسه ‏في أول مرَّة لم يقع الاجتماع بهم وبأبيه ذلك الموقع العظيم ، ولم يحل ذلك المحل ، ‏وهذه عادة الله سبحانه في الغايات العظيمة الحميدة ، إذا أراد أن يوصل عبده إليها ‏هيأ لها أسبابًا من المحن والبلايا والمشاق ، فيكون وصوله إلى تلك الغايات بعدها ‏كوصول أهل الجنَّة إليها بعد الموت ، وأهوال البرزخ ، والبعث والنشور والموقف ‏والحساب ، والصراط ومقاساة تلك الأهوال والشدائد ، كما أدخل رسوله صلى الله ‏عليه وسلم إلى مكة ، ذلك المدخل العظيم بعد أن أخرجه الكفار ذلك المخرج ، ‏ونصره ذلك النصر العزيز ، بعد أن قاسى مع أعداء الله ما قاساه ) . انتهى كلامه ، ‏رحمه الله .‏
وقد بيَّن بعض الحكم والأسرار العظيمة في عدم إخبار يوسف عليه السلام إخوته ‏بنفسه في المرتين الأولى والثانية .‏
ثانيًا : مع قوله تعالى : ( فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ ‏أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ(70)قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ(71)قَالُوا ‏نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ(72)‏
قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ(73)‏
قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ(74)قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ‏كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ(75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ ‏أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ ‏دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) [ يوسف : 70 – 76] .‏
تتحدث هذه الآيات الكريمة عن الحيلة التي استخدمها يوسف عليه السلام ‏لاستبقاء أخيه معه ، ومن المهم هنا أن نشير إلى أن ما فعله يوسف عليه السلام هو ‏من تدبير الله ، كما أرشدنا إلى ذلك ربنا سبحانه وتعالى في قوله : ( كَذَلِكَ كِدْنَا ‏لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ‏وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) .‏
فالذي كاد حقيقة هو الله سبحانه ، والذي فعل هو يوسف عليه السلام بتعليم الله ‏له وتوفيقه إليه فكان ذلك من أحسن الكيد وأشرفه ، وقد عدد ابن القيم ، رحمه ‏الله ، وجوهًا للطف ذلك الكيد وشرفه ، نذكر منها مختصرًا ما يلي :‏
‏1- منها : أنه لما جهزهم بجهازهم في المرَّة الثانية جعل السِّقاية في رحل أخيه ، ‏وقد ذكرنا فيما سبق أن يوسف عليه السلام أخبر أخاه بهذا الأمر ، وهذا الذي ‏عليه أكثر أهل التفسير .‏
‏2- ومنها : أنه لما أراد أخذ أخيه ، توصَّل إلى أخذه بما يقرُّ إخوته أنه حق وعدل ‏‏، ولو أخذه بحكم قدرته وسلطانه لنسب إلى الظلم والجور ، فوضع الصواع في ‏رحل أخيه بمواطأة منه على ذلك ، ولهذا قال : ( فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون ‏‏) .‏
‏3- ومنها : أنه لم يفتش رحالهم وهم عنده ، بل أمهلهم حتى خرجوا من البلد ، ‏ثم أرسل في آثارهم ، فهذا أحسن وأبعد من التفطن للحيلة من ال

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا