الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

غربة المسلم

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

‏ الافتتاحية
غربة المسلم
بقلم الرئيس العام / محمد صفوت نور الدين

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وصحبه ، وبعد ‏‏:‏
ففي الحديث : ( بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء ) .‏
تصوير التحول : هب أن رجلاً قدم إلى بلد لا يعرفونه ، فمر يحمل حقيبته ‏قاصدًا بيتًا معينًا فيها قد وصف له موضعه ، فهو يسير وملبسه في طرقاتها متجهًا نحو ‏مقصده ، كلما مر على قوم نظروا إليه ، فإذا غريب لا يعرفونه ، فكانت غرابته سمة ‏واضحة في خطوه وملبسة وهيئته ، وفي كل شيء من أمره ، حتى إذا بلغ المنزل الذي ‏أراد بدأ فتعرف على ساكنيه باسمه ونسبه ، فزالت الغربة عن اسمه ونسبه ، ثم ‏حط رجله وجلس بينهم وأخذ يحدثهم ويسألونه ، حتى ألفوا صوته وعرفوا ‏منطقه ، ثم مرت الأيام وهو يحيا بين هؤلاء وهم يقدمونه لأهل قريتهم ، ‏فيشاركهم مجالسهم ويساهم معهم في أعمالهم ويدلي بدلوه في أقضياتهم ويساهم ‏برأيه في مشكلاتهم ، فمال القوم رويدًا رويدًا إليه ، حتى صار المقدم عندهم في ‏كل أمر فصاروا لا يقطعون رأيًا دونه ولا يعقدون عقدًا إلا بمشورته ولا يفصلون في قضية إلا عن قوله ، فصارت تربيتهم لأبنائهم وتعلمهم في مجالسهم برأيه وقوله ، ‏وصارت علاقاتهم الأسرية بين الرجل وزوجه وبينه وأهله كذلك عن إرشاده ‏ونصحه ، حتى أسواقهم ومتاجرهم وبيعهم وشراؤهم قد صار إلى قوله وفصله ، ‏فصار قوله وأصبح رأيه ، بل أضحى هو نفسه في كل مكان معروفًا مألوفًا محبوبًا ‏‏.‏
ثم نبتت في تلك المجتمع نابتة وظهرت بوادر من بعض أبنائه ، بدأت في ‏أسواقهم فخالفوا في تجارتهم قوله وعصوا أمره ، وخرجوا على الناس برأي لم ‏يلتزموا فيه هديه ، فسرت تلك الطريقة في أهل الأسواق ، حتى صار لا موضع ‏له في الأسواق ، فإن دخلها كان غريبًا ، ثم سرى الأمر من الأسواق إلى ‏المنتديات والبيوت والطرقات ، حتى صارت غربته في كل شيء ، فصار الناس ‏ينظرون إلى قوله وإرشاده ورأيه نظرة الغرابة ، فلا يعملون به ولا يتابعون ولا ‏ينفذون ، فصار على نفسه منطويًا لا يجد بينهم مؤيدًا ولا نصيرًا ولا يجد منهم ‏مستنصحًا ولا مستشيرًا ، حتى عاد غريبًا لا يجد منهم له جليسًا ولا أنيسًا ، ‏فحمل حقيبته وحزم أمتعته وعاد يحملها يخرج من هذه القرية غريبًا كما بدأ .‏
هكذا تحول الإسلام في بلاد الإسلام يوم ظهر قال لهم : قولوا : لا إله إلا الله ‏تفلحوا ، فقالوا : ( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) [ ص : ‏‏5] ، حتى دانوا له في ذلك فدخل معهم حتى حكم كل شيء ، فكان أمره ‏عجبًا ، حكم أموالهم وأبناءهم ونساءهم ، وفصل في خصوماتهم ، فكان هو ‏منهج البيت والمسجد ، ومنهج القلب في اعتقاده الذي روض البصر والسمع ‏والرجل في خطوها واليد في حركتها والطعام الذي يأكلونه ، والملبس الذي ‏يرتدونه ، حكم الحياة منهم وحكم الممات ، حكم الأفراح والأتراح ، وضبط ‏منهم كل شيء على منهجه الذي ارتضاه لهم رب العالمين .‏
حتى نبتت نابتة شيطانية قالت : ( أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ) [ هود : 87] ، فظنوا ‏بجهلهم أن العمل بالإسلام لا يصلح في أمر الأموال ، فهجروا الإسلام في ‏الأسواق ، ثم هجروه في الأفراح ، ثم هجروه في القضايا والفصل في المنازعات ‏وحل الخصومات ، وهكذا رويدًا رويدًا ، حتى صار المتكلم به غريبًا ، والعامل ‏به غريبًا ، والملتزم به غريبًا ، إن ذكروه فهو من أمر التاريخ القديم ، فهل ‏سيرحل الإسلام عنهم ، إنه ليس كغريب طرأ عليهم ليرحل بعد عنهم ؛ لأنه ‏الدين الذي ارتضاه رب الأرض والسماء ، رب كل شيء ومليكه ، ففي هجره ‏شقاء الدنيا والآخرة ، وفي الإعراض عنه الضنك في الدنيا والعمى في الآخرة : ( ‏وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) [ طه : ‏‏124] .‏
هذا تصوير للغربة بعد الألفة ، والوحشة بعد الخلطة ، فإذا أردنا أن نعرف ‏أسباب غربة الإسلام بيننا والتي أفشاها بيننا الشيطان فصارت عونًا له على ‏إبعادنا عن ديننا ، فهي في أبعاد ثلاثة :‏
أولاً : البعد الزماني : حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس ‏قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تسبق شهادة ‏أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته ) .‏
وقال سبحانه : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا ‏وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا(58)‏
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَ

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا