الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

باب التفسير

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب التفسير
تأملات قرآنية
بقلم السيد عبد الحليم محمد حسين
فطرة الله

وجه الله رسوله – صلي الله عليه وسلم – إلى اتباع طريق الحق الواحد الثابت الواضح ، طريق الفطرة التي فطر الناس عليها والتي لا تتبدل ولا تدور مع الهوى ، ولا يتفرق متبعوها فرقًا وشيعًا ؛ كما تفرق الذين اتبعوا الهوى .
ثم يكشف عما في طبيعة الناس من قلب لا يصلح أن يقام عليه الحياة ، ما لم يرتبطوا بمعيار ثابت ، لا يدور مع الهوى ، ثم يصور حالهم في الرحمة والضر فيقول : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ(32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ(33) لِيَكْفُرُوا بِمَا ءَاتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ(35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ) .
أولاً : اللغة :
فاقم : وجهك للدين : أخلص دينك لله , وأقبل على الإسلام بهمة ونشاط . حنيفًا : مائلًا عن كل دين باطل إلى الدين الحق وهو الإسلام .
فطرة الله : خلقته . فطر الناس عليها : خلق الناس عليها ، وهى فطرة التوحيد . لا تبديل لخلق الله : لا تغيير لدين الله . ذلك الدين القيم : المستقيم . منيبين : راجعين إليه بالتوبة . واتقوه : خافوه . فرقوا دينهم : باختلافهم فيما يعبدونه . شيعا : فرقا – حزب : جماعة . ضر : شدة . رحمة : رخاء وسعة – سلطانا : حجة وكتابا – سيئة : شدة – يقنطون : ييأسون من الرحمة .
ثانيًا التفسير :
اشتملت الآيات على المعانى الآتية :
(1) الإخلاص للدين ، والإقبال على الإسلام بهمة ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) .
( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ) اتجه إليه مستقيمًا ، فهذا الدين هو العاصم من الأهواء المتفرقة التي لا تستند على حق ، إنما تتبع الشهوات والنزوات بغير ضابط ولا دليل … أقم وجهك للدين حنيفا مائلا عن كل ما عداه ، مستقيمًا على نهجه دون سواه .
( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) وبهذا يربط بين فطرة النفس البشرية وطبيعة هذا الدين ، وكلاهما من الله ، وكلاهما متناسق مع الآخر في طبيعته واتجاهه .
والله الذى خلق القلب البشري هو الذي أنزل إليه هذا الدين ليحكمه ويصرفه ويقومه من الانحراف . وهو أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير . والفطرة ثابتة والدين ثابت ( لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) وإذا انحرفت النفوس عن الفطرة لم يردها إليها إلا هذا الدين المتناسق مع الفطرة ..
فطرة البشر وفطرة الوجود ( ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) فيتبعون أهواءهم بغير علم ، ويضلون عن الطريق الواصل المستقيم .
والتوجيه بإقامة الوجهة للدين القيم ولو أنه موجه إلى الرسول صلي الله عليه وسلم إلا أن المقصود به جميع المؤمنين . لذلك يستمر التوجيه لهم .
(2) الرجوع إلى الله ، والاستقامة على طريقه
( مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(31)
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون ) .
فهي الإنابة إلى الله والعودة إليه في كل أمر ، وهي التقوى وحساسية الضمير . ومراقبة الله في السر والعلانية , والشعور به عند كل حركة وكل سكنة وهي إقامة الصلاة للعبادة الخالصة لله ، وهي التوحيد الخالص الذي يميز المؤمنين من المشركين . ويصف المشركين بأنهم ( الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) والشرك ألوان وأنماط كثيرة : منهم من يشركون الجن ، ومنهم من يشركون الملائكة ومنهم من يشركون الكهان والأحبار والأشجار والأحجار ، والليل والنهار ، ولا تنتهى أنماط الشرك وأشكاله .
و( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون ) بينما الدين القيم واحد لا يتعدد ولا يتبدل ولا يتفرق ولا يقود أهله إلا إلى الله الواحد ، الذي تقوم السموات والأرض بأمره ، وله من في

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا