منهج الإسلام فى بناء الرجال
بقلم: محمد عبد الحكيم القاضى
1 –
تملى علينا الحاجة الملحة إلى الرجال أن نطرح هذه القضية بغية المشاركة المفروضة فى النهضة الإسلامية المرتقبة ، والتماس الوسائل الصحيحة إلى البعث الإسلامى المأمول.
وفى محاولة مستميتة للخروج من نطاق العجز المتمثل فى الفرار من مواجهة قضاياه الحاسمة ، أو نطاق التقليد المتمثل فى استيراد مسميات الحلول ، ومصطلحات المجادلة حولها – أقول : فى محاولة مستميتة للخروج من هذين الكهفين المعتمين – أدفع إلى المشتغلين بقضايا الأمة الإسلامية ورجالها بمشروع لتصور المنهج الإسلامى فى بناء الرجال ، والموازين التى أقامها هذا الدين فى صدد تقويم الرجولة، وتربية الرجال الخليقين بأن يتصفوا بها ، من حيث إنه لم يبت من المستغلق على العيون أو الأذهان حاجة الأمة الإسلامية إلى رجال قادرين على حمل قضاياهم بين أضلاعهم وفوق رؤوسهم ، ولا بات من المستغلق على العيون أو الأذهان أن كثير من الرؤوس التى وضع عليها تاج الرجولة قد فشلت – أمام الواقع وأمام التاريخ – فى حمله ، نتيجة لأنها لم تكن فى حقيقة أمرها صاحبة هذا التاج أصلا أو لأنها لم تهيأ سلفا لمثل هذه المهمة الخطيرة .
تزييف الرجال :
فيبدو أن أفعى التزييف – التى هجمت على كثير من مقدرات الحضارة ومقررات التاريخ – قد زحفت على مفهوم الرجولة فنهشت منه ما استطاعت ، وتركت بقاياه نهبا على سفح الأوهام ؛ يجتره من يدرى ومن لا يدرى – وهذا الأمر من أهم الأمور التى أملت علينا طرفا مهما من هذا الموضوع فقد روى البخارى فى صحيحه عن حزيفة بن اليمان رضى الله عنه أنه قال (1) ” حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر : حدثنا أن الأمانة نزلت فى جذر قلوب الرجال ، ثم علموا من القرآن ، ثم علموا من السنة .
وحدثنا عن رفعها قال :
ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل أثر الوكت ، ثم ينام النومة فتقبض ، فيبقى منها أثرها مثل أثر المجل ؛ كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا ، وليس فيه شئ . ويصبح الناس يتبايعون ، فلا يكاد أحد يؤدى الأمانة ، فيقال : إن فى بنى فلان رجلا أمينا .
ويقال للرجل : ما أعقله ! ما أظرفه ! ما أجلده ! وما فى قلبه حبة خردل من إيمان … ”
هذا إذا هو أول الوهن فى تصور الرجولة – فى إطار التدرج الطبيعى لتزويرها :
الرجولة : أمانة فى القلب ، وفقه فى النفس ؛ وهذا ما عبر عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله إن الأمانة نزلت فى جذر قلوب الرجال ، ثم علموا من الكتاب ثم علموا من السنة .
وأول وهنها أن ترتفع تدريجيا من القلب – مع أنها الأداة الحقيقية لتحويل “العلم” إلى “فقه” داخل النفس . ثم يترك ارتفاع الأمانة آثارا كالفقاقيع التى تنتج عن حرق طفيف بالجسم ، وهذا ما عبر عنه النبى صلى الله عليه وسلم بأحسن من هذا حين قال :
” كجمر دحرجته على رجلك فنفط” (كون فقعة مائية تحت الجلد) ، فتراه منتبرا (منتفخا) ، وليس فيه شئ .
وعلى أساس هذه الفقاعة المنتبرة وليس فيها شئ – يعنى على أساس هذه الشكليات الجوفاء يتم تقويم الرجولة عند كثير من الناس ، وهذا ما نحس به إحساسا عميقا من قوله صلى الله عليه وسلم :
” ويقال الرجل ما أعقله ! ما أظرفه ! ما أجلده ! وليس فى قلبه حبة خردل من إيمان ..”
ثم نفهم من قوله صلى الله عليه وسلم
” فلا يكاد أحد يؤدى الأمانة ، فيقال أن فى بنى فلان رجل أمين ” – يفهم من ذلك ندرة الرجال الذين تنطبق عليهم الموازين الحقيقية للرجولة حيث يكادون يعدون على الأصابع بين فلذات الأرض .
تعميم مفهوم الأمانة:
من ثمة كان منهج الإسلام فى بناء الرجولة يكاد أكثره يتلخص فى :
تعميق مفهوم الأمانة فى ” جذر الرجال ”
تزكية النفوس بالفقه الذى يضئ جنباتها فتشتعل هممها الداخلية – من ناحية – وتنير مناراتها الخارجية من ناحية أخرى .
الاهتمام بأساس الرجل – من حيث مراحل العمر – وهو ( الطفل ، الشاب ) من حيث أنه المنطلق ثم المعبر لهذه الرجولة .
التركيز على أخلاق الرجولة الحقيقية وقص القصص الذى يصورها فى سعى لبثها آليا – إن صح التعبير – داخل النفوس .
اختيار القدوات الإنسانية من الأنبياء وحوارييهم ليكونوا رموزا للرجال على الأرض وفى دروب التاريخ .
وضع الميزان القسط للرجولة – مفهوما وتطبيقا – حتى لا يضل بالناس تصورها .
لكن : من ذا الذى يحيط بكل هذه الأمور – تصويرا وتعبيرا – فى مساحة ضيقة ؟
فليسعنا التلخيص المبين لهذه العناصر السابقة ، محاولين الاعتناء بمل يدل دلالة واضحة ، مقتصرين من هذه الدلالات على ما يغنى عن غيرها ، لفتا إلى هذا المنهج – عسى أن يعان أهل النظر من المسلمين وأهل الهمة أيضا إلى إبراز هذه الجوانب وغيرها نظريا وعمليا – بتوفيق الله تعالى .
فأما حرص الإسلام على مفهوم تعميق الأمانة فى القلوب فإنه راجع إلى تقدير صحيح لأهميتها


