الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

الإقرار بوجود الخالق لا يكفي

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

الإقرار بوجود الخالق لا يكفى
بقلم : على عيد

قال تعالى : ” وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) ” العنكبوت . هذه صورة من عقائد المشركين المتناقضة ، والتى يحذرنا الإسلام من تسللها إلى عقولنا وقلوبنا ، فنعيد سيرتهم ، ونأخذ فى سلوك نهجهم .. !
فقد كانوا يقرون إقراراً جازماً بوجود الله تبارك وتعالى ، يبدو ذلك جليا فى أحاديثهم ومعاملاتهم ، وحجهم وطوافهم ، وقد حفظ لنا التاريخ بعضا من ذلك ، وأن تلبيتهم عند المسجد كانت تقول : ” لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ” وكانت لهم صلاة عند المسجد ، غير إنها صلاة محرفة لا علاقة بينها وبين العبادة ، لقوله تعالى : ” وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُون ” وهذه الظواهر كانت آثارا باقية من ديانة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، لكنها اختلطت وامتزجت بالكثير من الأهواء ، التى طغت على أصول الديانة شيئا فشيئا ، ثم أخذت كأنها هى الدين ، فمن هذه الآثار معرفتهم وإقرارهم بأن خالق السموات والأرض هو الله ، وأن رازقهم هو الله ، وأن منزل المطر الذى تحيا به الأرض ، وينبت النبات وأصل الأثمار هو الله ، وأنه صاحب القوة العظمى المتصرفة فى الكون ، ومن ثم يلجأون إليه وقت الشدة القصوى ، لقوله تعالى حكاية عنهم : ” فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُون ” وقوله تعالى : ” وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار ” ومعنى ذلك أن المشركين كانوا يقدرون فى الحق تبارك وتعالى أنه قادر على كل شىء يؤيد ذلك الحديث الذى رواه عمران بن حصين الخزاعى عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وسلم سأله قبل أن يسلم ، فقال : ” يا حصين كم تعبد اليوم إلها ؟ ” قال : ” سبعة .. ستة فى الأرض وواحد فى السماء ” فقال النبى صلى الله عليه وسلم: فأيهم الذى تعد لرغبتك ورهبتك ؟ ” قال : ” الذى فى السماء ” فقال النبى صلى الله عليه وسلم ” يا حصين أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين تنفعانك ” .. قال : فلما أسلم حصين قال : يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني . فقال : ” قل : اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسى ” فهذا الأثر إن دل على شىء فإنما يدلنا على صورة من الانحراف العقائدى عن نور الفطرة وشرائع السماء ، فإن نور الفطرة وشرائع السماء تقرر أن الله خالق كل شىء فى كونه سبحانه وتعالى ، وأنه إذا كان الخالق وحده لكل شىء ، والرازق كل مرزوق ، وبيده ملكوت كل شىء ، فمن ثم وجب أن يتوجه إليه وحده دون غيره بالعبادة والشكر .
والمتدبر لموقف المشركين هذا يفهم الحيلة التى احتال بها الشيطان كى يصرفهم عن عبادة ربهم ، فقد اقترح عليهم وزين لهم اتخاذ الأولياء والصالحين كوسائط يتوسلون بهم إلى الله ، نظراً لما يرون فى أنفسهم من زلل وأخطاء لا تؤهلهم للتوجه إلى الله مباشرة ، والمتتبع لتاريخ أصنام العرب ، وأصنام قوم نوح ، يجد أنها فى الأصل لأناس صالحين ، كانوا يذكرون أقوامهم فضل ربهم ويدعونهم لعبادة ربهم ، فلما ماتوا اتخذ أقوامهم صوراً تذكرهم بهم هم ، فيذكرون بذلك وعظهم وعلمهم ، فلما تقادم العهد ومات القوم الذين يعرفون جاءت أجيال لا تعرف إلا أنهم يعظمون فعظموهم وقدسوهم لأنفسهم ، وانصب التعظيم على الصور والتماثيل ، حتى عبدت وتوجه إليها من دون الله ، وقد حكى القرآن عن ذلك بقوله : ” أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار ” أى ليشفعوا لنا ويقربونا عنده منزلة .. وقد تأخذ عقائد بعض الأقوام حتى يومنا هذا صورة أسوأ من هذه الصورة ، فيرون أن لهؤلاء الشفعاء والوسطاء المزعومين شأنا مع الله فى تصريف أمور الكون ، وأنهم قد يضرون وينفعون ، إن لم يكن بذوا

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا