الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

ولكم فى القصاص حياة

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب السنة
ولكم في القصاص حياة …
بقلم
الرئيس العام محمد صفوت نور الدين

الحمد لله الشارع الحكيم الرحيم ، جعل شرعه حماية للحرمات ، وصيانة للدماء ، وحياة للخلق جميعًا ، فشرع سبحانه شرعًا حكيمًا متكاملًا إبقاءً للنفوس وأمنها ، فجعل لها شرعًا حمى الخلق ووقاهم من عدوان بعضهم عمدًا كان أو خطأ ، فجعل أعظم الذنوب بعد الشرك بالله هو قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ؛ فيقول الله سبحانه : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ) [ البقرة : 179] .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) .
فانظر فإن الذي أخرج الحي من الميت جعل في القصاص الذي هو موتٌ ، حياة باعتبار ما يئول إليه من ارتداع الناس عن قتل بعضهم بعضًا إبقاء على نفوسهم ، واستدامة لحياتهم ، وأمنًا في أوطانهم .
ولهذا نجد كثرة القتل والجرائم عند الأمم التي زعمت المدنية ، فحكمتْ القوانين الوضعية ، فلم تجاز الجاني بما يستحق ، بل حكمت عليه بالسجن ظَنًّا منها أن هذا رحمة ومدنية ، ولم ترحم المقتول ودمه الذي سفك ، ولا أهله الذين فقدوه ، ولا بنيه الذين تيتموا ، أو زوجاته اللائي ترملن بعده ، ولم ترحم من حوله من البشر الذين فقدوا الأمن على دمائهم ، وأصبح أولئك الجناة يستطيعون الحياة في السجون ، فروعوا الآمنين ، وأفزعوا الناس من حولهم ، فليتدبر أولئك الذين عدلوا عن الشرع الشريف الكامل بقانون أرضي ساقط ، أولئك الذين لم يفكروا في عواقب الأمور ، ولو كانوا من أولي الألباب لتدبروا وعقلوا وانزجروا .
ولم يجعل الشارع الحكيم لضعف أو قوة أو علو أو عشيرة أثرًا في تلك الأحكام ، بل سوى بين البشر في حق الحياة ، وعوض أهل المجني عليه وشفى صدور أوليائه ، قطعًا لتسلسل العدوان وإحلالاً للأمن والأمان بدلًا من الخوف والفزع ، فبعد أن كانت بعض قبائل العرب تقيد الأنثى منها بذكر من غيرها ، وبالعبد منها حرًّا من سواها تنظر أنها أرفع شأنًا من غيرها فتحكمهم بالطبقية البغيضة والعصبية الحمقاء ، قال الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [ البقرة : 178 ، 179] .
هذا ولقد جعل الشرع القصاص في قتل العمد إلا أن يعفو ولي الدم ، فينتقل من القتل إلى الدية وتكون حاَّلة عاجلة وفي مال الجاني ، وجعل الأعضاء بنظائرها طالما أنه ممكن ، وإلا فالدية للأعضاء – أما القتل الخطأ وشبه العمد ففيه الدية وتكون على العاقلة وتكون مغلظة في القتل شبه العمد ، أي : أربعون منها في بطونها أولادها ، فانظر إلى الدية تحيط بمال الجاني فتجعله فقيرًا متسولًا إن عفي عنه ، ليعتبر به غيره أن حيًّا قد أحيط بماله ، أو ميتًا بعد القصاص بقتله ، وأما في شبه العمد والخطأ فإن العاقلة تحمل الدية ، وتكون مؤجلة على ثلاث سنين ، وأنما ذلك ليتمكن أهل كل بيت من أبنائهم فيربوهم فلا يتمرد أحد على عاقلته ولا يرى الرجل المنكر في عصبته ويتركهم وشأنهم ، فانظر – رعاك الله – كيف جعل الشرع الحكيم الأسرة متعاونة على فعل المعروف وعلى البر والتقوى ، ومتعاونة للتناهي عن المنكر والبعد عن المعاصي ليصبحوا خير أمة أخرجت للناس .
فالدية مائة من الإبل تقسم على أسنان الإبل : فبنت المخاض ( ما زادت عن السنتين) ، وبنت اللبون ( ما لها سنتان ودخل الثالثة ) والحقة ما لها (ثلاث سنين ودخل الرابعة) والجذعة ( ما لها أربع سنين ودخل الخامسة ) والخلفات ( ما في بطونها أولادها) وهي في المغلظة من الدية ، وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس في حجة الوداع فقال : (فإن دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم ؛ حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم ؛ كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ) .
وقال الله سبحانه : ( وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ ) [ الإسراء : 33] وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) .
ويقول رب العزة سبحانه : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا