موضوع العدد
وجوب العمل بسنة الرسـول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها
بقلم سماحة الشيخ : عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز ( رحمه اللَّه )
الحمد للَّه رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد المرسل رحمة للعالمين ، وحجة على العباد أجمعين ، وعلى آله وأصحابه الذين حملوا كتاب ربهم سبحانه ، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم إلى من بعدهم بغاية الأمانة والإتقان والحفظ التام للمعاني والألفاظ ، رضي اللَّه عنهم وأرضاهم ، وجعلنا من أتباعهم بإحسان . أما بعد :
فقد أجمع العلماء قديمـًا وحديثـًا على أن الأصول المعتبرة في إثبات الأحكام ، وبيان الحلال والحرام في كتاب اللَّه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ثم سنة رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاَّ وحي يُوحى ، ثم إجماع علماء الأمة ، واختلف العلماء في أصول أخرى أهما القياس ، وجمهور أهل العلم على أنه حجة إذا استوفى شروطه المعتبرة ، والأدلة على هذه الأصول أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر .
أما الأصل الأول : فهو كتاب اللَّه العزيز ، وقد دل كلام ربنا عز وجل في مواضع من كتابه على وجوب اتباع هذا الكتاب والتمسك به والوقوف عند حدوده ، قال تعالى : { اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } [ الأعراف : 3 ] ، وقال تعالى : { وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ الأنعام : 155 ] ، وقال تعالى : { قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ @ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ المائدة : 15، 16 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ @ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : 41، 42 ] ، وقال تعالى : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ } [ الأنعام : 19 ] ، وقال تعالى : { هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ } [ إبراهيم : 52 ] .
والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وقد جاءت الأحاديث الصحاح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم آمرة بالتمسك بالقرآن والاعتصام به دالة على أن من تمسك به كان على الهدى ، ومن تركه كان على الضلال ، ومن ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته في حجة الوداع : (( إني تَاركٌ فيكم ما لَنْ تضلُّوا إن اعتصمتم به : كتاب اللَّه )) . رواه مسلم في (( صحيحه )) .
وفي (( صحيح )) مسلم أيضـًا عن زيد بن أرقم ، رضي اللَّه عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إني تاركٌ فيكم ثقلين ؛ أولهما كتاب اللَّه فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب اللَّه وتمسكوا به )) . فحث على كتاب اللَّه ورغب فيه ، ثم قال : (( وأهل بيتي أذكركم اللَّه في أهل بيتي ، أذكركم اللَّه في أهل بيتي )) . وفي لفظ قال في القرآن : (( هو حبلُ اللَّه من تسمك به كان على الهُدى ، ومن تركه كان على الضلال )) .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وفي إجماع أهل العلم والإيمان مِن الصحابة ومَن بعدهم وجوب التمسك بكتاب اللَّه والحكم به والتحاكم إليه مع سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما يكفي ويشفي عن الإطالة في ذكر الأدلة الواردة في هذا الشأن .
أما الأصل الثاني من الأصول الثلاثة المجمع عليها : فهو ما صح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريره ، ولم يزل أهل العلم من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم يؤمنون بهذا الأصل الأصيل ويحتجون به ويعلمونه الأمة ، وقد ألفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة وأوضحوا ذلك في كتب أصول الفقه والمصطلح ، والأدلة على ذلك لا تحصى كثرة ، فمن ذلك ما جاء في كتاب اللَّه العزيــــز مـن الأمر باتباعه وطاعته ، وذلك موجه إلى أهل عصره ومن بعدهم ؛ لأنه رسول اللَّه إلى الجميع ؛ ولأنهم مأمورون باتباعه وطاعته حتى تقوم الساعة ، ولأنه عليه الصلاة والسلام هو المفسر لكتاب اللَّه والمبين لما أجمل فيه بأقواله وأفعاله وتقريره ، ولولا السنة لم يعرف المسلمون عدد ركعات الصلوات وصفاتها ، وما يجب فيها ، ولم يعرفوا تفاصيل أحكام الصيام ، والزكاة ، والحج ، والجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات والمحرمات ، وما أوجب اللَّه بها من حدود وعقوبات .
ومما ورد في ذلك من الآيات قوله تعالى في سورة (( آل عمران )) : { وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَل


