الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

منهج التلقى بين السلف والخلف

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب التفسير
منهج التلقي بين السلف والخلف [2]
فضيلة الشيخ / عبد العظيم بدوي

( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( 1 )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) [ الحجرات : 1، 2] .
قلنا : إن الفرق بين سلف الأمة وخلفها في تلقي الوحي كبير ؛ لأن السلف كانوا يتلقون الوحي للعلم والعمل ، وأما الخلف فإنهم يتلقون للتسلية والثقافة ، وهذا مثال ثان يوضح ذلك :
يقول الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ) [ الحجرات : 1] يا من آمنتم بالله ورسوله ، والكتاب الذي نزل على رسوله ، والكتاب الذي أنزل من قبل ، يا من رضيتم بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً ، ( لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِه ) [ الحجرات : 1] أي : لا تقترحوا على الله في خاصة أنفسكم ، ولا في أمر من أمور الحياة من حولكم ، ولا تقولوا في شيء حتى يقول الله ورسوله ، ولا تبدوا رأيًا في مسألة حتى ترجعوا إلى قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
عن قتادة قال : ذُكر لنا أن رجالاً كانوا يقولون : لو أُنزل في كذا كذا وكذا ، ولو أُنزل في كذا كذا وكذا ، فنزلت الآية .
وعن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : ( لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِه ) [ الحجرات : 1] ، أي لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة [ ابن كثير : 205/ 4] .
فإن القول بخلاف الكتاب والسُّنة قول على الله بغير علم ، والقول على الله بغير علم من عمل الشيطان ، كما قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ( 168 )إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) [ البقرة : 168 ، 169] .
ولذا كان القول على الله بغير علم من أصول المحرمات ، كما قال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) [ الأعراف : 33] .
ولذلك خُتمت الآية بهذا التحذير : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ ) [ الحجرات : 1] أي : خافوه واحذروا غضبه وعقابه إن خالفتم أمره ، أو ارتكبتم نهيه ، ( إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ) يسمع كل ما تتكلمون به ( عَلِيمٌ ) يعلم ما تسرّون وما تعلنون ، وسيجزيكم به ، فاتقوا الله ولا تقدموا بين يدي الله ورسوله ، وهكذا علّم الله تعالى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كيف يتأدبون مع الله ورسوله ، فكيف تلقى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآداب ؟ لقد تلقوها بالسمع والطاعة ، وتأدبوا بها كما أراد الله عز وجل ، فما عاد مقترح على الله ورسوله اقتراحًا ، وما عاد أحد يقول في مسألة قبل أن يقول فيها الله ورسوله ، وما عاد أحد يُفتي حتى يرجع إلى الله ورسوله ، حتى بلغ بهم الأمر أنهم كانوا يُسئلون عما يعلمونه علم اليقين فيسكتون خشية أن يقدموا بين يدي الله ورسوله .
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : ( خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال : ( أتدرون أي يوم هذا ؟ ) ، قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسمّيه بغير اسمه . قال : ( أليس يوم النحر ؟ ) قلنا : بلى . قال : ( أي شهر هذا ؟ ) قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسمّيه بغير اسمه . فقال : ( أليس ذو الحجة ؟ ) قلنا : بلى . قال : ( أي بلد هذا ؟ ) قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسمّيه بغير اسمه ، قال : ( أليست بالبلدة الحرام ؟ ) قلنا : بلى ، قال : ( فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) . [ البخاري : 1739 ، مسلم : 1679] .
فانظروا – رحمكم الله – كيف بلغ الأدب بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يُسئلون عن اليوم والشهر والبلد – مما لا يجهله عاقل – فيسكتون خشية أن يقدموا بين يدي الله ورسوله .
ولقد كانوا ، رضوان الله عليهم ، يشدّدون النكير على كل من يشعرون منه رفض السنة أو إيثار غيرها عليها ، حتى كانوا يهجرونه لذلك : ( عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها ) ، فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن ، فأقبل عليه عبد الله فسبّه سبًّا سيئًا وقال : أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : وا

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا