باب السنة
من أحكام البيع – الحلقة الثانية -
بقلم الرئيس العام / محمد صفوت نور الدين
أخرج البخاري في ( صحيحه ) عن حكيم بن حزام ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا – أو قال : حتى يتفرقا – فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) .
وعن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن المتبايعين كل واحد منهما بالخيار في بيعهما على صاحبه ما لم يتفرقا أو يكون البيع خيارًا )
وفي رواية : ( إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعًا ، أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك ، فقد وجب البيع ، وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع ) .
وقال نافع : وكان ابن عمر إذا اشترى شيئًا يعجبه فارق صاحبه ، والحديثان أخرجهما مسلم أيضًا برقم ( 1531 ، 1532) .
جاءت الشريعة بحماية الضرورات الخمس : الدين ، والنفس ، والعرض ، والعقل ، والمال ، فشرع لذلك أمورًا ضبطها وقننها حتى يصلح حال الناس ويزول الفساد ويحل الوئام ، ومن أهم هذه الأمور البيع ؛ فالبيع مشروع بالقرآن والسنة والإجماع والقياس ، حيث بين الله سبحانه في كتابه الكريم وبين النبي صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة أحكام البيع والمعاملات لحاجة الناس إلى ذلك كحاجتهم إلى شراء الغذاء الذي به قوام الأبدان والملابس والمساكن والمراكب وغيرها من ضرورات الحياة وحاجاتها ومكملاتها ، فمن أدلة مشروعيته في القرآن قوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) [ البقرة : 275] .
وفي السنة أحاديث كثيرة جدًّا ؛ منها حديث الزبير بن العوام مرفوعًا : ( لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه ، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ) .
وأما القياس فإن حاجة الناس إلى البيع قائمة ؛ لأن الإنسان تتعلق حاجته بما في يد غيره ولا تطيب نفسى مسالكه أن يبذله له بغير عوض ، ولا تطيب نفس مالكه أن يبذله له بغير عوض ؛ لذا اقتضت الحكمة أن يكون البيع مشروعًا لتحقيق الأغراض المباحة للناس وتيسير بلوغهم حاجاتهم .
والبيع : مبادلة مال بمال ؛ بقصد التملك بما يدل عليه من صيغ القول والفعل .
والأصل في البيوع والمعاملات التجارية كلها – الحل والإطلاق – لا فرق بين تجارة الإدارة التي يديرها التجار بينهم ، هذا يأخذ العوض ، وهذا يعطي المعوض ؛ لقوله تعالى : ( إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم ) [ البقرة : 282] ، ولا بين التجارة في الديون الحال ثمنها المؤجل مثمنها كالسلم وبيع السلع بأثمان مؤجلة ، ولا بين تجارة التربص والانتظار بأن يشتري السلع في أوقات رخصها وينتظر بها الرواج في المواسم ، ولا بين التجارة بالتصدير والتوريد من محل إلى آخر ، وبين التجارة والتكسب أفرادًا ومشتركين .
فكل هذه الأنواع وما يتبعها قد أباحها الشارع ، وأطلقها لعباده رحمة بهم ومراعاة لمصالحهم ، ودفعًا للأضرار عنهم ، وكلها جائزة بما يقترن بها ويتبعها من شروط ووثائق ونحوها ، يدخل في عموم ذلك جميع أجناس المبيعات وأنواعها وأفرادها من عقارات وحيوانات وأمتعة وأطعمة وأواني وأشربة وأكسية وفرش وغيرها ، إذا سلمت من المحاذير الشرعية التي حذر منها الشرع ، ولابد أن يقترن ذلك بالتراضي بين المتبايعين رضًا يصدر
عن معرفة ، وإذا كان أحد الطرفين سفيهًا أو مجنونًا قام عنه وليه .
واعلم أن المحاذير المانعة هي : الربا ، والغرر ، والظلم ، والميسر ، والغش ، والتدليس ، وبخس الكيل والميزان .
أنواع البيوع :
1- المقايضة : وهو بيع عين بعين ، كأن يعطي تمرًا ويأخذ ثيابًا ، أو يعطي غنمًا يشتري بها بيتًا دون توسيط النقود .
قال ابن منظور : وقايض مقايضة إذا أعطاه سلعة وأخذ عوضها سلعة وباعه فرسًا بفرسين ، والقيض : العوض .
2- المراطلة : بيع النقد بمثله – فضة بفضة ، أو ذهبًا بذهب – وتجب فيها المساواة وزنًا ، وأن تكون يدًا بيد ، لا تأجيل فيها ؛ لحديث أبي بكرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تبيعوا الذهب بالذهب ، إلا سواء بسواء ، والفضة بالفضة ، إلا سواء بسواء ، وبيعوا الذهب بالفضة والفضة بالذهب كيف شئتم ) . أخرجه البخاري ومسلم .
قال في ( بداية المجتهد ) : إجماع العلماء على أنه إذا قال : أبيعك هذه بدراهم مثلها وأنظرك بها حولاً أو شهرًا أنه لا يجوز ، ولو قال له : أسلفني دراهم وأمهلني فيها حولاً أو شهرًا لجاز ذلك ، وليس بينهما إلا اختلاف اللفظ .
3- الصرف : بيع النقد بنقد آخر – ذهب بفضة – ومثلها سائر العملات المختلفة اليوم ، ويجب أن تكون يدًا بيد ، فلا يجوز فيها التأجيل ؛ لحديث عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، المتفق عليه : ( الذهب بالورق


