مع النبى صلى الله عليه وسلم فى رمضان
يوماً بيوم ، وساعة بساعة
بقلم : محمد عبد الحكيم القاضى
إن الحمد لله الذى ينير الحق وجه الدنيا بكلماته ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذى شفى الله بهدية العالم من ضلاله وشهواته . وبعد :
فهذه مقالة موجزة مقتضبة أهديناها لمن أشرقت أنوار الإسلام على قلبه ، فأحب أن يرى فيها النبى صلى الله عليه وسلم طوال شهر رمضان .. كيف كان يقضى يومه ؟ وكيف كان يبيت ليله ؟ وكيف كان يشغل وقته ؟ وكيف كان يصنع مع الناس ؟ فإن لم يتسع المقام للإسهاب ، فليتسع لذلك قلب العبد المؤمن الذى تتفجر الكلمات القليلة فيه أنهارا من المعرفة ، وشموساً من الهدى .
رمضان وذكريات النبوة :
لقد عرف النبى صلى الله عليه وسلم رمضان من قبل النبوة ،فقد كان هذا الشهر المبارك هو الموعد الذى ضربه مع نفسه – قبل البعثة – لكى يخلو عن صداع الناس إلى غار ” حراء ” يتأمل ، ويتفكر ، وهذا ما تسميه العرب ( التحنث ) – ومعناه الخروج من الحنث والبعد عنه ، والحنث : الذنب والإثم . ويقولون أيضاً التحنف يعنى عبادة الله على ملة إبراهيم ، يقول ابن إسحاق فى السيرة عن عُبيد بن عمير . ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور فى حراء كل سنة شهراً ، .. يطعم من جاءه من المساكين .. ، وكان هذا الشهر هو شهر رمضان ” .
ولا ينسى المسلمون أن جبريل إنما جاءه فى غار حراء فى هذا الشهر المبارك لكى يضمه إلى صدره ، وينزل عليه آيات ربه فيحفظها النبى صلى الله عليه وسلم ، حتى إنه ليقول وهو يستجمع معالم هذه الذكرى : ” فكأنما كُتِبت فى قلبى كتاباً ” .
ويبدو أن القرآن العظيم أراد أن يخلد هذه الذكرى فجعلها قرآنا يتلى على مر القرون : ” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان” ( البقرة /185 ) .
وقد ذكروا أن ذلك كان لأربع وعشرين ليلة خلت من رمضان .
ويبدو أيضا أنه ليس القرآن وحده هو الذى نزل فى رمضان ، فقد روى الإمام أحمد فى المسند عن واثلة بن الأسقع مرفوعا قال : ” نزلت صحف إبراهيم فى أول ليلة من شهر رمضان ، وأنزلت التوارة لست مضين من رمضان ، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضين من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان ” فلا عجب إذن أن نرى استعداد النبى صلى الله عليه وسلم لرمضان ، وصنائعه فيه :
الاستعداد لرمضان :
تظهر من آثار النبى الكريم أنه كان يبدأ استعداده لرمضان من شعبان ، فعائشة تروى عنه أنه كان أكثر صياماً فى شعبان ، ثم إذا اقترب الشهر من البدء فى أواخر شعبان بدأ النبى صلى الله عليه وسلم يكف الناس عن الصيام حتى يكون للصوم فى رمضان رونقاً (1) ، ويشدد النبى صلى الله عليه وسلم فى النهى عن صيام يوم الشك الذى لا يعرف على وجه اليقين أنه من رمضان لتكون البداية واضحة جلية ، فإذا جاءت الليلة الأخيرة من شعبان اهتم النبى والمسلمون بالأمر ، فخرجوا إلى الفلوات يستشرفون الهلال ويستقبلون القادم المبارك .
ونلاحظ اعتناء النبى المصطفى بأمر الهلال ، فيضع له الضوابط ، ويوجه أصحابه – وأمته من بعده – إلى أدق التفاصيل ، يوجههم إلى أنهم إذا رأوا الهلال صاموا ، وإذا لم يروه أفطروا ، ويأمر بالفطر ولو كان الحائل عن الرؤيا غمامة أو سحابة ، ويأتيه الرجل الأعرابى ليلة الشهر فيجده منتظراً ، يقول له : ” أبصرت الهلال الليلة ” .
فيقول له : ” أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله – أو عبده ورسوله ؟ ” فيجيب نعم . فيقول صلى الله عليه وسلم : ” قم – يا فلان – فأذن بالناس فليصوموا غداً ” ثم هو لا يكف عن إرشادهم بعد ذلك إلى الأخطاء التى قد يقعون فيها إذ يتصور بعضهم إذا رأى الهلال كبيراً انه ابن ليلتين أو ثلاث ليال .. فيخبرهم أن ذلك خطأ ، وأن المسلم لا يصح له أن يبنى تقديره فى ذلك على التخيل والتقدير البشرى ، فيقول لهم : ” إن الله مده لرؤيته ، فهو ليلة رأيتموه ” (2) .
حياته صلى الله عليه وسلم فى نهار رمضان :
ويأتى نهار رمضان ، والنبى والصحابة صائمون ، فيزداد خلق النبى صلى الله عليه وسلم حُسناً على حُسن ، ويزداد جوداً على جود ، يراه أصحابه إما فى بيته ، فى مهنة أهله ، يساعد نساءه ويقضى حوائج نفسه ، وإما فى المسجد ، يرشد أصحابه ، ويوجههم ويفتيهم ، يجيئه عدى بن حاتم الطائي ليسأله عن قوله تعالى : ” وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر ” أهما خيطان من خيوطنا ؟ فيقول له : ” إنك لعريض القفا ، أرأيت أبصرت الخيطين قط ” ثم يقول : ” لا ، بل هو سواد الليل وبياض النهار ” (3) .
وربما سأله السائل عن أذان بلال وأذان ابن أم مكتوم ، بأيهما يصومون ، وعلى أيهما يعتمدون ، فيقول : ” إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ” .
وصيام النبى لا يغير من خلق


