الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

مع القرآن

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

مع القرآن
علوم القرآن أصولاً ومنهجا (أدلة جواز النسخ في القرآن)
بقلم
ا .د محمد بكر إسماعيل

بينت في المقال مفهوم النسخ عند الأولين من الصحابة والتابعين ، وبينت مفهومه عند المتأخرين من الأصوليين ومن نحا نحوهم من المفسرين والمحدثين ، وقلت : إن مفهومه عند الأولين أوسع من مفهومه عند المتأخرين – يشمل معاني النسخ كلها في اللغة ، بخلاف مفهومه عند المتأخرين ، فإنه يقتصر على رفع الحكم الشرعي بحكم شرعي آخر متأخر عنه ، فخرج بهذا التعريف : تخصيص العام ، وتقييد المطلق ، وغير ذلك مما سيأتي بيانه بشيء من التفصيل .
وقد وقع بين العلماء خلاف بين جواز النسخ في القرآن وعدم جوازه ، ولو حرروا موضع النزاع تحريرًا دقيقًا ، ووازنوا بين حقيقته عند المتقدمين وحقيقتة عند المتأخرين ما وسعهم إلا أن يتفقوا على أنه جائز وواقع على أي معنى من المعاني اللغوية ، وهي : النقل والتحويل ، والرفع والتبديل .
وقد استدل جمهور العلماء على جواز النسخ بالعقل والنقل والوقوع .
أما العقل فلا يمنع جوازه إذا عُلمت حكمته ، فهو ليس داخلاً في الأمور المستحيلة .
وقد وقع بالفعل في آيات أحصاها من أحصاها من المتقدمين والمتأخرين .
والوقوع خير شاهد على الجواز .
وأما النقل فقد اعتمدوا فيه على ثلاث آياتٍ :
الأولى : في سورة البقرة (106) ( مَا نَنْسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .
والثانية : قوله تعالى في سورة النحل (101) : ( وَإِذَا بَدَّلْنَا ءَايَةً مَكَانَ ءَايَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) .
والثالثه : قوله تعالى في سورة الرعد (39) : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) .
فإذا قرأت أكثر كتب المفسرين وجدتهم يحملون النسخ في آيتي البقرة والنحل على نسخ الحكم ، ووجدت بعضهم يحمله على نسخ الحكم والتلاوة ، فيقسمون النسخ بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام هي : نسخ الحكم فقط ، ونسخ الحكم والتلاوة معًا ، ونسخ التلاوة مع بقاء الحكم ، وسيأتي لهذا التقسيم وغيره تفصيل وتمثيل .
وأما آيه الرعد ، فقد حملها أكثرهم على نسخ الشرائع ، فكل شريعة تنسخ الأخرى ، وشريعتنا ناسخة لجميعها ، بمعنى أنها نسخت كثيرًا من الأحكام الجزئية التي لا تتفق مع مصالحنا الدنيوية والأخروية .
فالشريعة السماوية لا تنسخ الأصول العامة ولا القواعد الكلية ؛ لأنها متفقة عليها ، لا تختلف فيها شريعة عن أخرى على ما سيأتي بيانه في مقال آخر ، إن شاء الله تعالى .
على أن المحو والإثبات في الآية يتناول كل ما من شأنه أن يمحى ، وكل ما من شأنه أن يثبت ، فيدخل فيها نسخ الأحكام الجزئية في شريعتنا بمقتضى هذا العموم .
لهذا جعلها كثير من العلماء من أدلة الجواز .
وقد نازع المانعون من جواز النسخ في هذه الآيات ، وحملوها على تأويلات توافق ما ذهبوا إليه ، وناقش العلماء هؤلاء المانعين مناقشة علمية هادفة تردهم إلى الصواب لو أرادوه ، وتحملهم على القول بالجواز لدليل قاطع فيه هو الوقوع .
وقد عرض العلماء القائلون بالجواز ما وقع في بعض الآيات من نسخ عرضًا دقيقًا ، ابتداء من سورة البقرة إلى آخر السور التي ورد فيها نسخ .
ونحن بعون الله تعالى سنحاول في المقال الآتي أن نستعرض أدلة هؤلاء القائلين بالمنع ، وهو شرذمة قليلة من المعاصرين ، ونكّر عليها بالتفنيد في مناقشة علمية وحوار بناء ، حتى نعلم من خلال هذه المناقشة وهذا الحوار : أن الحق عند الجمهور سلفًا وخلفًا ، سواءٌ كان النسخ واقعًا بحسب مفهوم الأولين له أم بحسب مفهوم المتأخرين .
وعلى المسلم إذا أراد معرفة الحق أن يغوص في البحث عنه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وهو مجرد عن الهوى والتقليد .
وقد قالوا قديمًا : لا تَعْرِفِ الحق بالرجال ، ولكن اعرف الحق تعرف أهله .
والله من وراء القصد ، وهو الهادي إلى سواء السبيل .

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا