كلمة التحرير
فضائل شـهر رجب .. وبدَعُه
بقلم رئيس التحرير: صفوت الشوادفي
الحمد للَّه .. والصلاة والسلام على رسول اللَّه .. وبعد :
فقد اشتهر على كثير من الألسنة فضائل ومناقب لهذا الشهر الكريم أكثرها غير صحيح ، وصحيحها غير صريح ، وكثرت حاجة الناس إلى معرفة الخطأ من الصواب ، والتمييز بين الحق والباطل ، وبيان ما هو سنة صحيحة ، وما هو بدعة قبيحة .
فنقول مستعينين باللَّه :
رجب في لغة العرب :
قال العلماء : رجب ؛ جمعه أرجاب ، ورجبانات ، وأرجبة وأراجبة .
وله ثمانية عشر اسمًا !!
الأول : رجب ؛ لأنه كان يرجب في الجاهلية ؛ أي يعظم .
الثاني : الأصم ؛ لأنهم لا يسمعون فيه قعقة السلاح .
الثالث : الأصب ؛ لقولهم : إن الرحمة تصب فيه .
الرابع : رجم ؛ لأن الشياطين ترجم فيه .
الخامس : الشهر الحرام .
السادس : الحرم ؛ لأن حرمته قديمة .
السابع : المقيم ؛ لأن حرمته ثابتة .
الثامن : المعلى ؛ لأنه رفيع عندهم .
التاسع : الفرد ؛ وهذا اسم شرعي .
العاشر : منصل الأسنة ، ذكره البخاري .
الحادي عشر : مفصل الآل ؛ أي الجواب ؛ ذكره الأعشى في ديوانه .
الثاني عشر : منزع الأسنة ؛ وهو كالعاشر .
الثالث عشر : شهر العتيرة ؛ لأنهم كانوا يذبحون فيه .
الرابع عشر : المبرى .
الخامس عشر : المعشعش .
السادس عشر : شهر اللَّه .
السابع عشر : سمّي رجبًا ؛ لترك القتال ، يقال : أقطع للَّه الرواجب .
الثامن عشر : سمي رجبًا ؛ لأنه مشتق من الرواجب .
هذا ، وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل هذا الشهر ، صحيحها غير صريح ، وصريحها ضعيف أو موضوع !!
قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه : ( لم يرد في فضل شهر رجب ، ولا في صيامه ؛ ولا في صيام شيء منه معين ، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة ) .
وقال أيضًا : ( الأحاديث الصريحة الواردة في فضل رجب أو فضل صيامه أو صيام شيء منه تنقسم إلى قسمين : قسم ضعيف ، وقسم موضوع ) !!
وقد جمع – رحمه اللَّه – الضعيف فكان أحد عشر حديثًا ، وجمع الموضوع فكان واحدًا وعشرين حديثًا !!
وبيانها كالآتي :
1- إن في الجنة نهرًا يُقال له رجب … إلخ . ضعيف .
2- كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال : (( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان )) . ضعيف .
3- لم يصم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد رمضان ، إلا رجب وشعبان . ضعيف .
4- رجب شهر اللَّه ، وشعبان شهري ، ورمضان شهر أمتي . باطل .
5- من صام من رجب يومًا إيمان واحتسابًا … ومن صام يومين … ومن صام ثلاثة … إلخ .. موضوع .
6- فضل رجب على سائر الشهور … إلخ .. موضوع .
7- رجب شهر اللَّه ، ويدعى الأصم … إلخ .. موضع .
8- من فرّج عن مؤمن كربة في رجب … إلخ .. موضوع .
9- أن أيام رجب مكتوبة على أبواب السماء السادسة ، فإذا صام الرجل منه يومًا … إلخ . في إسناده كذاب .
01- الحديث الوارد في صلاة أول ليلة منه .. موضوع .
11- صيام يوم من رجب مع صلاة أربع ركعات فيه على كيفية معنية في القراءة .. موضوع .
21- من صلى ليلة سبع وعشرين من رجب اثنى عشرة ركعة .. إلخ .. موضوع .
31- من صلى ليلة النصف من رجب أربع عشرة ركعة .. إلخ .. موضوع .
41- بعثت نبيًّا في السابع والعشرين من رجب .. إسناده منكر .
51- أحاديث كثيرة مختلفة اللفظ والسياق كلها في فضل صوم رجب ، وكلها موضوعة !!
قال أبو بكر الطرطوشي في كتاب (( البدع والحوادث )) : يكره صوم رجب على ثلاثة أوجه ؛ لأنه إذا خصه المسلمون بالصوم من كل عام حسب ما يفعل العوام ، فإما أنه فرض كشهر رمضان !! وإما سنة ثابتة كالسنن الثابتة ، وإما لأن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام باقي الشهور !! ولو كان من هذا شيء لبينّه صلى الله عليه وسلم .
الإسراء والمعراج ..
ذكر العلامة أبو شامة في كتابه النافع (( الباعث على إنكار البدع والحوادث )) أن الإسراء لم يكن في شهر رجب !!
قال – رحمه اللَّه -: ( ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب ؛ وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب !! قال الإمام أبو إسحاق الحربي : أسري برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول ) . اهـ .
وذكر الحافظ في (( فتح الباري )) أن الخلاف في تحديد وقته يزيد على عشرة أقوال !! منها أنه وقع في رمضان ، أو في شوال ، أو في رجب ، أو في ربيع الأول ، أو في ربيع الآخر .
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية أن ليلة الإسراء لم يقم دليل معلوم على تحديد شهرها أو عشرها – أي العشر التي وقعت فيها – أو عينها ، يعني نفس الليلة . اهـ .
وخلاصة أقوال المحققين من العلماء أنها ليلة عظيمة القدر مجهولة العين !!
ولتبسيط هذه المسألة وتيسيرها نقول :
بعض العبادات تتعلق بوقت معلوم لا نتعداه ولا نتخطاه كالصلاة المكتوبة { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوت


