الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

عقائد الصوفية

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

عقائد الصوفية في ضوء الكتاب والسنة
مدد الشيخ / بقلم عميد متقاعد
محمود المراكبي

الحمد للَّه السابق فضله على جميع من خلق ، والقائل في محكم التنزيل : { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا } [ الإسراء : 20 ] ، والصلاة والسلام على عبد اللَّه ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه . وبعد :
فمن أكثر الألفاظ انتشارًا بين أبناء الطرق الصوفية : ( مدد يا سيدي فلان ) ، وكلمة : ( مدد ) يراد بها : أن فلان هذا هو مصدر الإمداد بالبركات والأنوار والفيوضات والفتوحات ، وأن طلب المدد من الشيخ يحتاج إلى : إخلاص ، وصدق ، وحب ، وما إلى ذلك من أمور ، والشيخ – عندهم – بصفته ولي من أولياء اللَّه ؛ فقد أوكل الحق ، تبارك وتعالى ، إليه إمداد أبناء الطريق ، ولا بد للمريد من التيقن أن مدد شيخه واصل إليه لا محالة ، خاصة عند الشدائد ، سواء في الدنيا أو عند الموت والسؤال في القبر ، ثم ينعم المريد بحماية شيخه يوم الهول الأكبر .
وقد زعم بعض المشايخ أنهم لا يمدون أبناء طرقهم فحسب ، أو الصوفية وأتباعها ككل ، بل إنهم يتعهدون العالمين ، ومنهم أبناء الطريقة الدسوقية والتجانية التي ننقلها عن (( الياقوتة الفريدة في الطريقة التجانية لمحمد بن عبد الواحد محمد النظيفي 8 )) بعض مناقب شيخهم أبا الفيض التجاني يقولون فيه :
وإني كنيته أبا الفيض إنــه
يمد جميـع العالميــن بفيضة
فكل ولي كيف كان ببحـــره
أمـد بقــــدر ما له من فضيلـة
من أول نشأة العوالم كلهـــا
إلى النفخ يسقي كل فرد وذرة
فما فاض من ذات النبي محمد
تلقته ذات الختم دون وسيطة
كما تتلقى كل فيض من أنبيا
ورسل عليهم جميعـًا تحيتـي
فمنها تفرقت فيوض الخليقة
فمـا ذرة إلا وفازت بـقسمـة
لا نستطيع أن نعلق على هذه الترهات ، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم ، وكيف تقبل أتباع هذه الطرق إملاء الشيطان بهذا القدر من الشرك والكفر ، وكيف سمحت لهم عقولهم بتصديق هذه المزاعم التي ترفع شيخهم إلى رتبة الربوبية !!
مـــدد الشيــخ في الدنيا :
إذا حجب الشيخ المريد وعزله عن العلم وأسبابه ، حذره من توجيه الأسئلة في مجلسه ، طالبه أن يفسح له صدره ولا يخالفه ، حتى إذا قال ما ينكره عليه الشرع ، أو فعل الحرام عيانـًا جهارًا ، طالبه أن يحسن الظن في شيخه ، ويعتقد أن بركته هي التي ساقت إليه خيرات الدنيا والآخرة ، وأعرف شيوخـًا للطرق يقولون لمريديهم : كلما زادت خدماتكم لشيخكم اتسعت أرزاقكم !! ومن يناله ضر يقول له الشيخ : ذلك جزاء عصيانك أو تقصيرك !! وقال شيخ أعرفه لمريد مشاغب سُجن في قضية رشوة اتهم فيها : إن هذا السجن كان من غضب الشيخ عليه ، فاستحق المريد دخول السجن ، فكأنها قرصة أذن من الشيخ ، ثم قال له بالحرف الواحد : (( وإن عدتم عدنا )) !!
إن المريد مطالب بحسن الاعتقاد في شيخه ، مع بالغ التعظيم والتنزيه ، وأن يرفعه فوق مقام القطبانية ، فكل شيخ قطب لمريده ، بل إن شئت قلت : هو الخضر بالنسبة له ، فشيخه هو العبد الرباني الذي يقول للشيء : كن فيكون ، وهو عضو بارز في ديوان التصريف ، فلقاء المريد وتلقيه عن شيخه يمنحه حماية ظاهرة وباطنة ، ولا تنتهي هذه الحماية بنهاية حياة الشيخ أو المريد ، بل هي ممتدة في عالم الأرواح إلى قيام الساعة ، فلا غرابة أن يصرح إبراهيم الدسوقي بقوله : ( أشهدني اللَّه تعالى ما في العلى وأنا ابن ست سنين ، ونظرت في اللــوح
المحفوظ وأنا ابن ثمان سنوات ، وفككت طلسم السماء وأنا ابن تسع سنين ، ورأيت في السبع المثاني حرفـًا معجمـًا حار فيه الجن والإنس ففــهمتــــه ،
وحمدت اللَّه رب العالمين على معرفته ، وحَرَّكْتُ ما سكن ، وسكنت ما تحرك بإذن اللَّه وأنا ابن أربع عشرة سنة ) . (( الطبقات الكبرى )) للشعراني : (1: 128) .
تحكي هذه الرواية مراحل حياة إبراهيم الدسوقي حتى شرخ الشباب ، أما شأنه في عالم الأرواح فتقصه علينا هذه الحكاية التي نظمها عن نفسه ، وينقلها عنه أحبابه في الطريق :
أنا كنت مع نوح أُشاهد في الورى
بحارًا وطوفانـًا على كف قدرتي
وكنت مع إبراهيم مُلقى بناره
وما بَرُدَ النيران إلا بدعوتي
أنا كنت مع راعي الذبيح فداءه
وما نزل الكبشان إلا بفتوتي
أنا كنت مع يعقوب مُلقى بناره
وما بَرئت عيناه إلا بتفلتي
فإذا بلغ تصرف الدسوقي في حماية الأنبياء هذا المدى ، فهو ربان سفينة نوح ، ومن بركة دعائه بردت النيران على إبراهيم الخليل ، وبفتوته أنقذ اللَّه إسماعيل من الذبح ، وبإمداده برئت عينا يعقوب عليه السلام ، فكيف لا يركن إليه أبناء الطريق ؟ ولا غرو أن يقول الدسوقي في قصيدة أخرى :
كل كرم للَّه في الأرض ملكي
منه فضلا سبحانه من قدير
يا وزيري جُزت السماء بأمي
وأبي كان صحبتي وسميري
عاينتن

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا