دروس وعبر من قصة موسى عليه السلام
فضيلة الشيخ
محمد رزق ساطور
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه وبعد :
سادس عشر :
في قوله تعالى : ( قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ ) .
وهذا يدل : على استئذان الشيخ في صحبته ، وعدم اقتحام مجلسه دون استئذان أو مراعاة لوقته ، فإن أوقات العلماء غالية لا ينبغي أن يضيعها الناس في القيل والقال ، فإن بعض الناس يقتحمون على أهل العلم مجالسهم دون أن يكون لهم مصلحة أو غاية اللهم إلا المجالسة والحديث فيما لا يفيد ، وهذا يضيع أوقات العلماء ، وقد يمتنعون عن الناس لأجل بعضهم ، ولكن موسى عليه السلام يعلم حق العلماء فيستأذنه قبل أن يصحبه ، وما أحوج طلبة العلم هذه الأيام إلى التأدب مع العلماء باستئذانهم ، ومراعاة أوقاتهم ، وإذا أراد السؤال منه فليسأل وينصرف حتى يترك المجال لغيره أو للشيخ لمراجعة مسائله أو مدارستها وأذكر أنني أردت مرة أن أستجمع أحد الموضوعات لخطبة الجمعة قبلها بأسبوع فحينما وصلت من العمل وجدت من ينتظرني ليسألني في مسألة وما إن انصرف حتى جاء غيره فنزلنا لصلاة الظهر فجاء غيره حتى العصر فجاء غيره حتى المغرب فجاء غيره فنزلنا للعشاء فجاء غيرهم حتى ساعة متأخرة ، ثم حدث ذلك في اليوم التالي والذي بعده ، حتى يوم الخميس فجئت فوجدت من ينتظرني فاعتذرت وانصرف وأغلقت بابي فلم أأذن بعدها لأحد في ذلك اليوم ولذلك ينبغي لطلبة العلم أن يرحم بعضهم بعضًا وأن يرحموا العلماء فيستأذنوهم حتى لا يحرموهم من أغلى بضاعة يستثمرونها وهي الوقت .
سابع عشر :
في قوله تعالى : ( قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا )
فهو لا يريد أي علم ، ولكن يريد العلم النافع الذي لا غنى للإنسان عنه ، فهناك من العلوم ما لا فائدة من تحصيلها ولا يُبنى عليها عمل ولا تصحح اعتقادًا ، وفيها أيضًا : تواضع المتعلم لمن يتعلم منه ولو كان دونه في المرتبة ، ولهذا طلب موسى عليه السلام التعلم من الخضر عليه السلام تعليمًا لقومه وتنبيهًا لكل من زكى نفسه أن يسلك مسلك التواضع ، وفي هذا عبرة لمن يتعالم على الناس ليعلم أن التواضع في طلب العلم يزيد في الفضل ويرفع منزلة العبد .
ثامن عشر :
في قوله تعالى : ( قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا )
فالعبد الصالح يذكر موسى عليه السلام أنه لن يستطيع أن يصبر على صحبته لأنه إن رأى شيئًا سأل عنه أو استنكره ، لأن العبد الصالح على علم من الله لا يعلمه موسى عليه السلام ، والإنسان إذا رأى خطأ ولم يُخبر بوجه الحكمة فيه أو طريق الصواب فإنه ينكره ولا يصبر أن يراه ولذلك قال له : ( وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ) ، والأنبياء لا يقرون على منكر ولا يجوز لهم الإقرار بالسكوت فحينئذ سيتكلم وينكر ، ولذلك نصح العبد الصالح لموسى عليه السلام بأن التعجل وعدم الصبر هما ما يخشى عليه منهما .
تاسع عشر :
في قوله تعالى : ( قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا )
فموسى عليه السلام حين قام خطيبًا في بني إسرائيل (فسئل أي الناس أعلم ؟ فقال أنا أعلم فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك …) الحديث رواه البخاري . أي أن موسى عليه السلام نسى أن يستثنى أو يقول إلا أن يشاء الله ، فحينما توجه إلى العبد الصالح ليتلقى منه العلم كانت أول فائدة من الفوائد والثمرات التي استفادها أن وفق إلى أن يقول : ( قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) ، ولذلك فإن من بركة العلم أنه يلم الشعث ويسد الخلل ويجبر الكسر ويصحح الخطأ ويهدي إلى الصواب .
العشرون :
في قوله تعالى : ( وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا )
وفيها اشتراط التابع على نفسه شروطًا هي من تمام وكمال التأدب مع أهل العلم ، ومن اشترط شيئًا فقد أوجبه على نفسه وألزم نفسه به ، ويدل ذلك على الصبر بين يدي العلم ، لأن العلم مر ويحتاج إلى صبر عند تعلمه وتلقيه وعند بذله والدعوة إليه وعند العمل به فلابد منه في كل مراحل العلم .
الحادي والعشرون :
في قوله تعالى : ( قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا )
فيها اشترط المتبوع على التابع وأنه يلزمه الوفاء بالشروط ، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( من حق العالم عليك إذا أتيته أن تسلم عليه خاصة وعلى القوم عامة وتجلس قدامه ولا تشر – إليه – بيديك ولا تغمز بعينيك ولا تقل قال فلان خلاف قولك ، ولا تأخذ بثوبه ولا تلح عليه في السؤال فإنه بمنزلة النخلة المرطبة لا يزال يسقط عليك منها شيء) جامع بيان العلم وفضله ص194.
الثاني والعشرون :
في قوله تعالى : ( قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا )
فحينما رأى مخالفة لما ينبغي أنكر عليه أن يخرق الس


