بل نقذف الحق على الباطل فيدمغه
حوار داخل الأسوار
بقلم: بدوي محمد خير طه
-8-
لقد شغلت قضية الدعوة الإسلامية معظم فترة الاعتقال بين أعضاء الجماعات الإسلامية، وكانت هناك آراء متباينة ووجهات نظر مختلفة إلى ظاهرة العنف في السنوات الأخيرة. وفي إحدى جلسات الحوار قال زميل شاب: أن الدعوة إلى الإسلام تحتاج إلى القوة في محاربة أهل الباطل والعقائد المنحرفة. وربنا تبارك وتعالى يقول لموسى عليه السلام ( فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ) 145 الأعراف.
قلت:- ليس معنى الآية أن يأخذ موسى عليه السلام قومه بالشدة والعنف. بدليل أن الله قال من قبلها لموسى عليه السلام وأخيه ( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) 43-44 طه ولكن معنى القوة هنا أن لا يتقاعس في التبليغ وأن لا يتراخى في تنفيذ ما جاء به من المواعظ وتفصيل الأحكام (أي التوراة) . وأن لا يدخر جهداً في دعوة بني إسرائيل إليها.
وإذا كنا نريد- بما يقال من الأخذ بالشدة في الدعوة- خير الإسلام فهل لنا أن نتأمل فيما جرته أحداث العنف الأخيرة على الإسلام؟ ودعنا نحتكم إلى العقل بعيداً عن العواطف والتعصب للرأي والهوى وبغير توزيع الاتهامات بين من قاموا بتلك الأحداث وبين من دفعوهم إليها. فهل تجد منصفًا يقول بأن هذه الأحداث الدامية أفادت الإسلام؟ أظن الإجابة لا تحتاج إلى كبير تأمل أو تفكير.
وإذا كان هناك منحرف عن طريق الجادة والصواب فاعلم أنه مريض. والداعية يجب أن يكون طبيباً يعالج بالحكمة والرفق. وقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه). لكنك إن شهرت به ورميته بالفسوق والعصيان لأول وهلة فإنك كالطبيب الفاشل الذي يفاجئ مريضه بأنه مصاب بمرض خطير من أمراض العصر المفزعة. فهل تظن أن الدواء يفيد؟ كلا.
قال محدثي: – إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للكفار والمشركين (جئتكم بالذبح) وقال أيضاً: (جعل رزقي تحت ظل رمحي) فلا غرابة في أن يكون العنف أو الشدة مواكباً للدعوة إلى الله.
قلت: أما عن الحديث الأول فهذا تقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاشا لله ان يخلف رسولنا صلى الله عليه وسلم أمر ربه فقد تكرر الأمر بالرفق في مواضع شتى في القرآن الكريم ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) 159 آل عمران (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر ) الغاشية 21- 22 ( عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ )40 الرعد ( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) 99 يونس ( فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِين ) 12 التغابن ( فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ ءَامَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير ) 15 الشورى ( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) 83 الزخرف ( قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) 23 الشورى وانظر إلى الآية الأخيرة فإنها لأهل مكة فانظر إلى الأمر بتودد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المشركين يقول لهم إنني لا أطلب عما جئت به أجراً ولكني أود لكم الخير لقرابتي منكم. ويقول في رده على عمه حين عرضت عليه زخارف الدنيا (ياعم: كلمة تعطونيها تدين لكم بها العرب وتملكون بها العجم أن تقولوا لا إله إلا الله وتخلعون ما تعبدون من دونه) فكيف بالله عليك بعد هذا الرفق يقول لهم جئتكم بالذبح؟
وأما الحديث الثاني فهو صحيح ومعناه أنه حرمت عليه أموال الزكوات والصدقات ولا يأكل إلا من الغنائم ومن الفيء ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَلِذِي الْقُرْبَى… إلخ ) الآية 41 الأنفال (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى… الخ) (الآية 7 الحشر).
وقد حدث أن الحسن بن على رضي الله عنهما وهو صغير تناول تمرة من تمر الصدقة فأخذها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: له كخ، كخ أما علمت أنا آل البيت لا تحل لنا الصدقة وقال: (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد). قال:
هناك حقيقة لا ينكرها أحد فإن الإسلام انتشر


