حقيقة العلم
الحمد للَّه عالم الغيب ، فلا يظهر على غيبه أحدًا ، علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ، قدم العلم والعلماء ، فقال سبحانه : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } [ محمد : 19 ] ، وقال سبحانه : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُو الْعِلْمِ قَائِمَاً بِالْقِسْطِ } [ آل عمران : 18 ] .
والعلم علمان :
علم جاء به الوحي : وهو العلم الشرعي لا يدخله الظن إلا من الجانب البشري ؛ لأن الأصل فيه اليقين ، وبقدر دخول الجانب البشري يدخل الظن ، فإن كان في النقل كان الظن في الثبوت ، وهو من الخبر ما كان دون المتواتر ، ومنه الصحيح وهو الظن الراجح والضعيف وهو الظن المرجوح . وقد يكون يقيني الثبوت ، لكن الدلالة قد تكون اجتهادًا بشريـًا ، فيدخلها الظن ، وذلك العلم الذي يتميز به المؤمنون عن غير المؤمنين .
وعلم جاء بالتجربة : وهو أيضـًا تعليم من اللَّه لخلقه بطريق الإلهام ، لما في المادة من خواص ، وهو العلم التجريبي وهو الذي يشترك فيه المؤمن والكافر ، والواقف عنده لا يتعداه ولا يضبطه بالعلم الإلهي من وحي الأنبياء والمرسلين هم الذين عناهم رب العزة سبحانه بقوله : { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ @ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ } [ الروم : 7، 8 ] .
وهذا العلم هو الذي أعطاه اللَّه للكافرين وكان يتبجح به من الكافرين : فرعون ، وهامان ، وقارون ، كما قال تعالى : { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ @ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ@ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلاَ يُسْأَلُ عَــن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ } [ القصص : 76- 78 ] .
ووصف اللَّه تعالى من أمم الكافرين من جمعوا من العلوم التجريبية مع كفرهم في قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ @ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ @ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ @ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ @ وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ @ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ @ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ @ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } [ الفجر : 6- 13 ] .
العلماء ثلاثة : عالم باللَّه عالم بأمره ، وعالم باللَّه ليس بعالم بأمره ، وعالم بأمر اللَّه ليس بعالم باللَّه ، فالعالم باللَّه وبأمر اللَّه يخشى اللَّه تعالى ويعلم الحدود والفرائض .
العلم الإلهي جاءنا بما لا طاقة للعلم التجريبي أن يحيط به ، والآيات دالة على أنه خلق الأرض في يومين ، ثم دحا الأرض بعد خلق السماوات ، وأرسى الجبال في يومين .
وقد تحلى بها أقوام من المؤمنين ، فكانت في أيديهم قوة وعونـًا على الحق مثل ذي القرنين : { قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا @ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا @ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا @ فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا } [ الكهف : 94- 97 ] .
وإن اللَّه قد يغني بعض خلقه عن هذه العلوم التجريبية فتكون لهم بفضل اللَّه بأسباب من عند اللَّه سبحانه ، كما جاء في قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ @ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ @ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ } [ سبأ : 10- 12 ] .
وغير ذلك من آيات سليمان وشق البحر لموسى ، وإبراء الأمراض المستعصية لعيسى عليه السلام ، وشفاء أيوب عليه السلام من أسقامه .
لكن الكافرين لا يستغنون با


