الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

الهجرة المحمدية حدث غير وجه التاريخ

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

الهجرة المحمدية حدث غير وجه التاريخ
بقلم فضيلة الشيخ / عبد الفتاح إبراهيم سلامة

يستلفت كاتب المقال أنظار قرائه، إلى أن الاحتفاء بـ (عيد رأس السنة الهجرية) أمر لم يكن على عهد المصطفي صلوات اللَّه وسلامه عليه ولم يعرف في خير القرون – قرون الراشدين والأصحاب والتابعين للحق بإحسان – وما يحدث الآن في بعض أرض الإسلام مضاهاة لقوم آخرين.. لكن السحب العارضة يجب ألا تحول بيننا وبين اجتلاء الحقيقة والتملي من أنوارها: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، تفرد بالوحدانية.
والصلاة والسلام على سيد الأنام، إمام الإنسانية، وعلى آله وجنده، وتابعيه، وصحبه الذين هم خير البرية.
وبعد:
فمنذ أشرقت الأرض بنور القرآن كان هذا بدء تحول في تاريخ الإنسانية كلها، وتغير في حركة التاريخ.
وإذا كان الإسلام أكمل منهج جعله اللَّه صلاحا وإصلاحا لأحوال البشر أجمعين، فإن المنهج يحتاج إلى حركة تجسده: واقعا ملموسا، وحقا مشهودا.
ولقد كانت الهجرة المحمدية هي الحركة التي أسست (دولة العقيدة) وأقامت (ملكوت اللَّه على الأرض) فعرفت البشرية (المجتمع الربانى) قائما بالحق والعدل، بعدما انقضت قرون من عمر البشرية كان الحق فيها أمنية تطوف بأحلام المستضعفين، والعدل فيها خرافة في ميزان الظالمين.
والصحائف القادمة: إشارات ضوئية نلقيها على بعض أحداث الهجرة ومعانيها، ليكون ماضينا الخالد دروسا رائدة، وعبرا هاديةً، تقود خطانا إلى عزة الحاضر، وإلى الآمال الواعدة في المستقبل.
ومن اللَّه المدد والإعانة، ومنه السداد والتوفيق، والتوفيق خير الأرزاق.
الهجرة في اللغة:
الهجر: الترك والابتعاد والاعتزال.
والهجرة: ترك وطن ومغادرته إلى موطن آخر.

لكل نبي هجرة:
تكاد تكون الهجرة سنة محتومة، وقاعدة شبه مطردة في تاريخ دعوات الحق، وفي سير الدعاة إلى اللَّه، وإذا كان المقام لا يتسع للبسط والتفصيل، فإن الإيجاز قد يغني أحيانا عن الإطناب. ونسترعي نظر القارئ إلى أن الهجرة قد تكون تحركا بالدعوة، وقد تكون إنقاذا لمجتمع المؤمنين، وهاك بعض الأمثلة:

نوح عليه السلام:
مكث نوح – صلوات اللَّه عليه – ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو قومه إلى إسلام الوجه لله الواحد الأحد، ولكنهم أصروا على العناد واستكبروا استكبارا، حتى جاءه أمر اللَّه:
{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [هود: 36]، وأمر بصناعة السفينة، لتكون مركبا للمؤمنين المهاجرين بإيمانهم، الناجين بتقواهم، كما قال سبحانه: {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} [هود: 40].
وتظل السفينة التي حملت المجتمع الجديد {تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} حتى وصلت إلى المرفأ الأمين {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود: 44]، وباستواء السفينة انتهت مرحلة من مراحل الصراع بين الحق والباطل في تاريخ البشرية، وآذن اللَّه سبحانه نوحا بقيام (مجتمع الإسلام) على البركات والسلام، ونص الإعلان الربانى إلى نوح هو: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود: 48].

إبراهيم عليه السلام:
أما إبراهيم عليه السلام الذي كانت دعوته إلى اللَّه بأرض العراق فقد كانت له هجرات إلى الشام، وإلى مصر، وإلى أرض الحجاز.. واسمع حديث القرآن عن هجرة إبراهيم إلى الشام بعد نجاته من محاولة تحريقه بالنار على يد نمروذ العراق وأبلسته. يقول سبحانه: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 69-71]. وهذه الأرض التي جعل اللَّه إليها هجرة إبراهيم ولوط ونجاتهما، هي الأرض المقدسة بفلسطين.

موسى عليه السلام:
أما كليم اللَّه موسى – عليه السلام – فقد كانت له كذلك هجرات قبل بعثته وبعدها، هاجر قبل البعثة إلى أرض مدين، بعد أن خرج من مصر خائفا يترقب.. وعاد إليها بعد الوحي إليه، ثم هاجر منها بعد أن كذبه فرعون، وأراد أن يبطش به وبمن آمن معه فأمره اللَّه بالهجرة: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى فَأَتْبَعَهُمْ ف

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا