الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

الموالد للموتى

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

من روائع الماضي
لفضيلة الشيخ / محمود شلتوت شيخ الأزهر ( رحمه الله )‏
الموالد للموتى … وضع الشمع والمناديل على مقاماتهم ‏

وجه إلى فضيلته السؤال الآتي :‏
ما حكم الدين في إقامة الموالد للمشايخ ، ووضع الشمع والمناديل على مقاماتهم ؟‏
فأجاب : وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه ، ونفع الناس بقول الحق .‏
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على خاتم رسله محمد وعلى آله وصحبه .‏
الموالد : هي هذه الحفلات الصاخبة ، أو المجتمعات السوقية العامة ، التي ‏ابتدعها المسلمون في عهودهم المتأخرة باسم تكريم الأولياء وإعلاء قدرهم ومكانتهم ‏‏، عن طريق تقديم القرابين ، وذبح النذور ، وإقامة حلقات الذكر ، وعن طريق ‏الخطب ، والقصص ، والمناقب ، والأناشيد ، التي تصور حياة الولي ، وتصف تنقله ‏في معارج الولاية ، وما يتحدث به الناس عنه ، ويضاف إليه من كشف وخوارق ‏وكرامات .‏
تقام تلك الحفلات لأولياء المدن ، ولكثير من أولياء القرى ، وقد تقام حفلة الميلاد ‏في السنة الواحدة للولي الواحد مرتين فأكثر ، ولهذه الموالد على العموم عشاق ‏يضعونها في مصاف الشئون الدينية التي يتقربون بها إلى الله عن طريق الولي ، ‏فيحفظون تواريخها ، ويهيئون طوال العام لها ، حتى إذا ما حل وقتها تراهم ‏يحزمون أمتعتهم ، ويرتحلون بقضهم وقضيضهم ، برجالهم ونسائهم ، بشيوخهم ‏وشبابهم ، ويلقون – بأحمالهم كما يقولون – على شيال الحمول صاحب المولد ، ‏تاركين بيوتهم ومصالحهم في قراهم ومزارعهم ، مدة تتراوح بين أسبوع وأسبوعين ‏‏.‏
والمشايخ الأولياء من جهة تعلق الناس بهم والعناية بموالدهم على قيم مختلفة ‏ودرجات متفاوتة ، فمنهم من يعظم عند الناس جاهه ، ويمتد في نظرهم سلطانه . ‏
ويتسع صدره لكل لون من ألوان الحياة ، ولكل رغبة من رغبات الطوائف ، حتى ‏لقد ترى حفلات المقامرين والمقامرات ، بجانب حفلات المدمنين والمدمنات ، ‏وبجانبها حفلات الذاكرين والذاكرات ، والخليعين والخليعات ، والراقصين ‏والراقصات ، ويجوس خلال الجميع المتسولون والمتسولات ، والنشالون والنشالات ‏‏، وكل ذلك يصنع في الموالد ، وعليه تقام ، وإليها يهرع الناس باسم الولاية وتكريم ‏المشايخ .‏
ومهما قال عشاق الموالد ، والمتكسبون بها ومروجوها – من أن فيها ذكر الله ، ‏والمواعظ ، وفيها الصدقات ، وإطعام الفقراء – فإن بعض ما تراه فيها ويراه كل ‏الناس ؛ من ألوان الفسوق ، وأنواع المخازي ، وصور التهتك ، والإسراف في المال ؛ ‏ما يحتم على رجال الشئون الاجتماعية ، وقادة الإصلاح الخلقي والديني ، المبادرة ‏بالعمل على إبطالها ومنعها ، ووضع حد لمخازيها ، وتطهير البلاد من وصمتها ، ‏ولقد صارت بحق – لسكوت العلماء عنها ، ومشاركة رجال الحكم فيها – مباءة ‏عامة تنتهك فيها الحرمات ، وتراق في جوانبها دماء الأعراض ، وتمسخ فيها ‏وجوه العبادة ، وتستباح البدع والمنكرات ، ولا يقف فيها أرباب الدعارة عند ‏مظهر أو مظهرين من مظاهر الدعارة العامة ، وإنما يبتكرون ويبتدعون ما شاء لهم ‏الهوى من صور الدعارة المقوضة للخلق والفضيلة .‏
ومن أشد ما يؤلم المؤمن ؛ أن ترى كثيرًا من تلك المناظر الداعرة تُطوِّق في المدن معاهد ‏العلم الديني ، ومساجد العبادة والتقوى ، على مسمع ومرأى من رجال الحكم ‏ورجال الدين ، أرباب الدعوة والإرشاد .‏
أما وضع الشمع والمناديل على مقامات الأولياء وكسوتها ، فينبغي أن يعرف – أولاً ‏‏- أن الدين الحق لا يعرف شيئًا يقال له : ( مقامات الأولياء ) ، سوى ما يكون ‏للمؤمنين المتقين عند ربهم من درجات ، وإنما يعرف – كما يعرف الناس – أن ‏لهم قبورًا ، وأن قبورهم كقبور سائر موتى المسلمين ، يحرم تشييدها وزخرفتها ، ‏وإقامة المقاصير عليها ، وتحرم الصلاة فيها وإليها وعندها ، وبناء المساجد من ‏أجلها ، والطواف بها ، ومناجاة من فيها ، والتمسح بجدرانها ، وتقبيلها ‏والتعلق بها ، ويحرم وضع أستار وعمائم عليها ، ويحرم إيقاد شموع ، أو ثريات ‏حولها ، وكل ذلك مما نرى ويتهافت الناس عليه ويتسابقون في فعله على أنه قربة ‏لله ، أو تكريم للولي ، أو قربة لله وطاعة ، خروج عن حدود الدين ، ورجوع إلى ما ‏كان عليه أهل الجاهلية الأولى ، وارتكاب لما حرمه الله ورسوله في العقيدة والعمل ، ‏وإضاعة للأموال في غير فائدة ، بل في سبيل الشيطان ، وسبيل للتغرير بأرباب ‏العقول الضعيفة ، واحتيال على سلب الأموال بالباطل .‏
أما بعد ؛ فهذا هو حكم الدين في الموالد ، وهذا هو حكمه فيما يصنع بمقامات ‏الأولياء ، فمتى يتنبه المسلمون ويعودون إلى الهدي الحق ؟ ويتقربون إلى الله بما ‏يرضاه الله بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتقرب به إليه أولياؤه ‏‏، الذين آمنوا وكانوا يتقون . و ( خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، ‏وشر الأمور محدثاتها ) .‏
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .‏

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا