القول المبين على من رد سنة نبينا الأمين
بقلم الشيخ: عبد الرحمن يعقوب
لم يُحارب أي دين – حقـًّا كان ، أو باطلاً – بمثل ما حُورب به الإسلام – وهو الدين الحق – منذ أن جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم !!
حُورب على مختلف العصور وبشتى الوسائل ، حُورب بالسلاح ، وبالتهم الباطلة ، وبالتشويه ، وبالتحريف ، وبالتشكيك في أصوله وفروعه !!
وقد تواطأ على هذه الحملة الظالمة أعداء الإسلام من غير المسلمين ، ومن بعض المسلمين الذين ارتدوا عن الإسلام ، ومن بعض الذين لا يزالون مسلمين ، ولكنهم من الجهل والجهالة بمكان !
ولعل أخطر هذه الحملات : التشكيك في منابع الإسلام الأساسية ؛ وهي كتاب اللَّه تعالى ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
أما كتاب اللَّه سبحانه ، فكان أقوى من كل كيد ، فلم يستطع الأعداء أن يغيروا فيه أو يبدلوا ، أو يزيدوا عليه أو ينقصوا ، فلجئوا إلى تأويل بعض آياته تأويلاً باطلاً ، وجعلوا له ظاهرًا وباطنـًا ليطفئوا نور اللَّه ، فأبى اللَّه إلا أن يتم نوره ، فهيأ من العلماء العاملين من تصدوا لهؤلاء الضالين ، فردوا كيدهم إلى نحورهم ، وكشفوا زيفهم وضلالهم ، وبقي كتاب اللَّه – وسيبقى أبد الآبدين – وصدق اللَّه العظيم إذ يقول : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] .
وأما سنة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقد صُبَّ عليها التشكيك ولا يزال ، ولكننا نؤمن إيمانـًا جازمـًا ، بأن أعداء الإسلام ، وكذلك الجاهلين من أبنائه ، لن ينالوا من السنة أبدًا ؛ لأنها بمنزلة القرآن ، فهي مبينة لأحكامه ، ومفصلة لِمُجْملَه ، ومخصصة لِعَامِّه ، ومقيدة لمطلقه ، وموضحة لمشكله ، هي بالجملة مفسرة لأحكام الكتاب العزيز ، وهي من ناحية أخرى منشئة لأحكامٍ شرعية لم ترد في كتاب اللَّه تعالى(1) ؛ إنها وحي من اللَّه لنبيه صلى الله عليه وسلم بلَّغها له ، كما بَلَّغَه القرآن ، كما قال سبحانه : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى @ إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى } [ النجم : 3، 4 ] .
فاللَّه الذي تكفل بحفظ القرآن العظيم ، هو سبحانه الذي أوحى بالسنة إلى نبيه الكريم ، ومن ثم فهي محفوظة ما حُفظ القرآن ، وإنها باقية ما بقي ، وليس أدل على ذلك بعد كلام اللَّه العزيز من الجهود العظيمة التي قام بها علماء السنة الكرام ، هؤلاء الذين قيضهم اللَّه للحفاظ على دينه بالمحافظة على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والذود عنها ، وتوثيقها إلى درجة تصل أحيانـًا إلى ما وصل إليه القرآن الكريم .
لقد أثار الضالون من منكري السنة كلها أو بعضها – أثاروا – حولها شبهات لا نجد لها عند النظر والبحث قيمة أو وزنـًا .
ونحن نذكر أهم الشبهات التي أثاروها ، ونرد عليها بما يدحضها بإذن اللَّه ، ويجعل كيد أصحابها في تضليل :
قالوا : ( هناك أحاديث تشير إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم عن السنة ) !!
ونقول : هذه الأحاديث إنما جاءت لبيان فضل كتاب اللَّه وهيمنته على الكتب المنزلة قبله ، وعلى السنة كذلك ، وإن القرآن الذي يدعو إلى الأخذ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء به ، واتباعه ، وطاعته في كل ما جاء به ، ويجعل ذلك فرضـًا لا يتم الإيمان إلا به ، كقوله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } [ الحشر : 7 ] ، وقوله : { مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } [ النساء : 80 ] ، وقوله : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [ النحل : 44 ] ، وقوله : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } [ الجمعة : 2 ] ، والحكمة : هي السنة .
هذا القرآن الذي يتضمن هذه الآيات ومثلها كثير لا يمكن أن يُكتفى به ، وإلاَّ كان عبثـًا ما يدعو إليه هذا الكتاب من وجوب الأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وحاشاه ذلك .
وقالوا : لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الأحاديث ، ثم كتبوها فيما بعد مخالفين أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا إلا ليكتفى بالقرآن !!
ونقول : لا ننكر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد نهى مرة واحدة – فيما صح عنه – عن كتابة الحديث الشريف ، لكننا ننكر كل الإنكار أن يُفهم من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم
ينهى عن العمل بالسنة ، فمعنى هذا أنه ينهى عن العمل بالإسلام ، وهذا ما لا يقول به مسلم .
ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي نهى عن كتابة الحديث هو الذي أمر بعد ذلك بكتابته ، والأدلة على ذلك كثيرة ، منها :
ما رواه البخاري ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كتب في أمور الزكاة(2) ، ومات صلى الله عليه وسلم فلم


