القوامة للرجل… لماذا ؟
بقلم فضيلة الشيخ محمد جمعة العدوي
بعض مفكرينا يتصور أن المدنية هي النيل من كل قديم، واستبداله ببضاعة مجلوبة، ويعتبر ذلك كما يقول بعضهم: (لا بد وأن تطيح ريح المدنية بكل قديم بال)… فإذا نعق ناعق في أوربا مثلا وجدت صدى ذلك لدى مفكرينا وكتابنا… لايهم هذا المفكر (مقاس) الثوب المجلوب ومدى مطابقته للجسم أو ملائمته للطبيعة من حوله.. وإنما الذي يهمه – فقط – أنه صاحب الشرف في نقل هذا الجديد. وأنه المبشر به… ومن هنا فإنه يتصعب لما يجلبه، ويزينه في أعين الناس، ويتغنى بما يختلقه له من محاسن، ولا يلقى بالا لقوانين اللَّه التي تتعارض مع ما يبشر به…. فإذا قلت له: إنك تنال من دين اللَّه بما تقول وتتغنى.. رد عليك (ما لنا ودين اللَّه ؟ نحن لم نقل بإغلاق المساجد ولا بمنع الناس من ممارسة العبادة، وإنما نريد أن نعالج أمور حياتنا على ضوء ما يستجد لها من حلول عصرية تتفق والحياة الجديدة التي نحياها)…. ورغم الباطل الذي تمثله هذه القضية والذي حسم في أكثر من موقف، إلا أن هؤلاء يعودون للقضية من خلال (مواقف) أخرى ليعطوها سمتا جديدًا يغري بالمناقشة والجدل {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ}.
ومن هذه القضايا قضية المساواة بين الرجل والمرأة، والمناداة بإلغاء القوامة للرجل على المرأة.. وهي قضية أثيرت كثيرا بمناقشتها المتباينة، لكن هذه المناقشات تنتهي دائما بسكوت الطرفين، لكنه ليس سكوت المقتنعين، وإنما سكوت المتحفزين.
والتصور العام لأصحاب المساواة بين الرجل والمرأة لا يلقى بالا لما يقوله القرآن بشأن قوامة الرجل على المرأة، ولا يعبأ بما اتفق عليه الفقهاء، ولكنهم يناقشون القضية خارج دائرتها الشرعية، ومن هنا تأتي خطورة هذه القضية.
والواقع أننا – قبل أن نبدأ المناقشة معهم – يجب أن نطالبهم بتحديد موقفهم من قضية الدين. أيؤمنون بوجود اللَّه ؟ وبالتالي أيؤمنون بوجود أنبياء ورسل معصومين يتولون تبليغ رسالات الله إلى الناس. وأيضا.. أيعترفون بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ؟ وبما أنزل عليه من قرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟
ثم يأتي سؤال نهائي كالمحصلة لما سبق من أسئلة.. أيمكن أن يكلف اللَّه البشر بما يجلب لهم العنت والمشقة ؟ ومن الذي يعلم طبيعة هذا البشر الخالق لها ؟ أم المخلوق ؟
فإذا أجابوا على هذه الأسئلة بالإيجاب، التزموا تبعا لذلك بقبول (قوامة الرجل على المرأة) وبرفض المساواة بينهما. لأن ذلك وارد ضمن ما يؤمن به.. وإن أجابوا على بعضها بالنفي يصبح من حقنا أن ننزع منهم صفة انتسابهم للإسلام، وتصبح القضية بالنسبة لهم (إسلام أو لا إسلام)…. ومع كل هذا فإننا نناقش قضيتهم من منطلق فكري، لأننا نؤمن أن قضايا الدين لا تتعارض مع الفكر المستقيم.
والواقع أنهم ينظرون إلى قوامة الرجل على المرأة بمعنى مصادرة الرجل لحريتها واغتصاب حقوقها، وأنها تبعا لذلك لا بد أن تظل حبيسة البيت ليس من حقها أن ترغب في شيء أو تبت في أي موقف من مواقف الحياة.. والحقيقة أن كل مسلم ضد أي قوانين تسلب المرأة هذا الحق وتنزع منها إنسانيتها.
فالزوجان شريكان في الحياة الزوجية بقانون (المودة والرحمة) لا بقوانين التسلط والمصادرة، ولكل من الزوجين اختصاص،ودور كل منهما متمم للآخر… وهذه الشركة القائمة على قانون المودة والرحمة لا بد لها من ربان يقود السفينة، لأن قانون الحياة يقضي بأن يكون هناك (مسئول) داخل أي (تجمع) حتى يقطع دابر الفوضى ويحسم الأمور وتلك هي سياسة الإسلام (إذا خرج ثلاثة في سفر أمروا أحدهم).
لكن.. من الذي يقود تلك الدفة ومن الذي يقوم على أمرها ؟ هل هي المرأة ؟ وهى دائما مشغولة بمشاكلها الخاصة، فالدورة الشهرية تغير من طبيعتها، وتحد من حركتها، ولا تستطيع أن تنطلق بحرية ونشاط كما يفعل الرجل.. وتأتي فترة الحمل وهي أكثر عبئا ومشقة من سابقتها.. وتأتي مرحلة الوضع بما يفرض على المرأة من عناية بجسمها المتداعي ورعاية لوليدها من رضاعة وتربية.. فهل تستطيع امرأة في ظل هذه الظروف أن تحسن القيام بأمور (الرئاسة) بينما هي مهتزة الأعصاب والعقل والجسم ؟ ومن المسلم به أن هذه الرئاسة تقتضى التواجد خارج البيت، فهل يمكن أن نقول لها والحال هذه: أخرجي من البيت لتقومي بواجب الرئاسة الذي فرض عليك ؟
حين يتقدم الرجل ليحمل عنها هذا العبء فإنه بذلك يرحمها، ويعطي لها الفرصة لتنعم بالحياة بعيدا عن التفكير في مسئولية (القوامة) ولتتفرغ لما خلقها اللَّه من أجله.
وهناك مبدأ لا بد من ملاحظته، وهو أن هناك تغايرا ملموسا بين الذكر والأنثى في التكوين والسلوك وممارسة الغرائز، هذا التغاير موجود بين كل المخلوقات التي تتزاوج بما فيها الإنسان، وتجاهل هذا التغاير أو محاولة طمسه إهدار للقيمة التي خلق هذا التغاير من أجلها. وهذا


