الشريعة الإسلامية أصل أحكام القضاء
بقلم المستشار الدكتور /فاروق عبد العليم موسى
عرض وتلخيص مدير التحرير
الحلقة الأولى
الحمد للَّه رب العالمين ، الحكم العدل ، أرسل رسله بالبينات ، وأنزل معهم الكتاب ، وأشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه وحده لا شريك له ، لا حاكم إلا هو سبحانه ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، أول قاض في الإسلام حكم بشريعة اللَّه تعالى وأقامها قولاً وفعلاً وسلوكـًا ، صلى اللَّه تعالى عليه وآله وصحبه وسلم .. وبعد :
فإن معظم الدول الإسلامية المعاصرة تخضع لقوانين وضعية نقلتها عن بلاد غير إسلامية ، وهي في جملتها مخالفة لشرع اللَّه سبحانه ، وجعلت هذه القوانين أصلاً لأحكام القضاء والمصدر الأول والأساسي لهذه الأحكام .
إن اللَّه سبحانه أنزل دينه القويم ليستقيم أمر الناس عليه ، وليلتزموا به ، ويسيروا على هداه وفي نوره ، حتى لا تضل بهم السبل ، ولا تأخذهم الظلمات من كل جانب .
إن اللَّه سبحانه وتعالى أنزل أحكامه ليعم خيرها الناس جميعـًا دائمـًا وأبدًا إلى يوم القيامة ، واللَّه سبحانه يحب للناس جميعـًا الهداية والتمسك بشريعته ، ويكره لهم الغواية والتفريط فيما أوجبه عليهم ، وفي سبيل هدايتهم أنزل آيات كثيرة وبأساليب متنوعة توجب عليهم الحكم بشرعه . ذكر اللَّه سبحانه صفاته ، التي توجب الخضوع لأحكامه ، كما أمر رسله وأنبياءه والمؤمنين بالحكم بشريعته ، ووعد من يلتزم بشريعته بالجزاء الحسن ، وتوعد من يخرج عليها بالعقاب ، وبين سبحانه أن عدم خضوع الناس لحكمه ، يكون فيه خضوع لحكم الباطل والضلالة من الجاهلية والطواغيت والأهواء .
ونعرض هنا بعض صفات اللَّه والتي توجب الخضوع لأحكامه :
أولاً : أنه سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين :
يقول جل شأنه : { أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ } [ التين : 8 ] ، وعلى لسان نبي اللَّه نوح عليه السلام يدعو اللَّه سبحانه فيقول : { وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ } [ هود : 45 ] .
و{ أحكم } صيغة تفضيل ، فأفضلية إتقان اللَّه سبحانه لأحكامه ، على إتقان الحكام المتقنين لأحكامهم ليست من باب وجود شبه بين أحكام اللَّه سبحانه لأحكامه ، وإحكام الحكام من البشر لأحكامهم ؛ لأن إحكام اللَّه سبحانه لأحكامه يقوم على العدل المطلق والحق المطلق والعلم المحيط بكل شيء ، وعلم البشر نسبي وعلمهم ووصولهم إلى الحق محدود ، ثم أحكام البشر محدودة بمنازعاتهم وأحكام اللَّه سبحانه في كل شئون الخلق وفي الدنيا والآخرة ، فصفات اللَّه سبحانه وأفعاله ليست كصفات المخلوقين وأفعالهم ، وإن اشتركت أسماؤها .
ثانيـًا : أنه سبحانه خير الحاكمين :يقول سبحانه وتعالى على لسان شعيب عليه السلام
أصل أحكام القضاء
الحلقة الأولى
مخاطبـًا قومه : { فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } [ الأعراف : 87 ] .
ويقول اللَّه سبحانه على لسان أحد إخوة يوسف عليه السلام : { فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } [ يوسف : 80 ] .
ويقول اللَّه جل شأنه : { وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } [ يونس : 109 ] ، فاللَّه سبحانه وتعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتمسك بما يوحى ويلتزم به قولاً وعملاً وسلوكـًا ، وهو أمر لأمته أيضـًا ، ثم يأمر اللَّه سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على إيذاء أعداء الإسلام ؛ لأن اللَّه سبحانه علم أن سيكون للدعوة أعداء يحاربونها ويحاربون أتباعها بكل وسائلهم ، وغاية العبد أن يحكم اللَّه بين أنصار الوحي وأعدائه .
ويوضح سبحانه لرسوله وللناس جميعـًا أنه سبحانه خير الحاكمين ؛ لأنه يحكم بالحق والعدل والعلم ، وليس كعدله عدل ، ولا كحقه حق ، ولا كعلمه علم ، ثم حكام الأرض كثيرًا ما يرد عليهم الخطأ والظلم والباطل والجهل ، فسبحان اللَّه الذي لا يرد عليه شيء من ذلك .
ثالثـًا : أنه سبحانه خير الفاصلين :
يقول الحق : { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } [ الأنعام : 57 ] ، فاللَّه سبحانه خير من فصل القضايا وخير الفاصلين في الحكم بين عباده ؛ لأنه الحكم العدل المحيط علمه
والنافذ حكمه في كل شيء .
رابعـًا : أنه سبحانه أحسن حكمـًا :
يقول تبارك وتعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [ المائدة : 50 ] .
والاستفهام الوارد في الآية الكريمة جاء على جهة الإنكار ، ومعناها : لا أحد أحسن حكمـًا من اللَّه سبحانه وتعالى ، وذلك لمن عقل عن اللَّه شرعه وآمن به ، وأيقن أن اللَّه أحكم الحاكمين .
خامسـًا : أنه هو العليم الحكيم :
يقول سبحانه وتعالى : { ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُ


