الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

الحج عن الغير

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب السنة
الحج عن الغير
بقلم الرئيس العام / الشيخ محمد صفوت نور الدين

عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن امرأة من جُهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها ؟ قال : ( نعم حجي عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء ) . [ أخرجه البخاري ] .
وعن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع قالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا ، لا يستطيع أن يستوي على الراحلة ، فهل يقضي عنه أن أحج عنه ؟ قال : ( نعم ) . [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
الحج فريضة على المسلم المستطيع في العمر مرة ، فهل إذا عجز ببدنه وقدر بماله وجب عليه أن يستنيب من يحج عنه ؟ وإذا مات من لم يسبق له ، الحج فهل يجب على ورثته أن يحجوا عنه من ماله ، فيكون من الدَّين الذي يخرج من الميراث قبل تقسيمه ؟ وهل من حج تطوعًا عن غيره جاز ذلك ؟
قال ابن رشد في ( بداية المجتهد ) : لا خلاف بين المسلمين أنه يقع عن الغير – أي الحج – تطوعًا ، وإنما الخلاف في وقوعه فرضًا .
قال ابن حجر في ( الفتح ) : الإجماع على أنه لا يجوز أن يستنيب من يقدر على الحج بنفسه عن الحج الواجب ، ( وقال أيضًا ) : اتفق من أجاز النيابة في الحج على أنها لا تجزئ في الفرض إلا عن موت أو عضب ، فلا يدخل المريض ؛ لأنه يرجى برؤه ولا المجنون ؛ لأنه ترجى إفاقته ، ولا المحبوس لأنه يرجى خلاصه ، ولا الفقير لأنه يمكن استغناؤه . والله أعلم .
وقال ابن رشد : أما وجوبه – أي الحج – باستطاعة النيابة مع العجز عن المباشرة ، فعند مالك وأبي حنيفة أنه لا تلزم النيابة إذا استطعت مع العجز عن المباشرة ، وعند الشافعي أنها تلزم ، فيلزم على مذهبه ؛ الذي عنده مال يقدر أن يحج به عنه غيره ، إذا لم يقدر هو ببدنه أن يحج عنه غيره بماله ، وإن وجد من يحج عنه بماله من أخ أو قريب سقط ذلك عنه وهي المسألة التي يعرفونها بالمعضوب ؛ وهو الذي لا يثبت على الراحلة ، وكذلك الذي يأتيه الموت ولم يحج يلزم ورثته عنده أن يخرجوا من ماله بما يحج به عنه ، وسبب الخلاف في هذا معارضة القياس الأثر ، وذلك أن القياس يقتضي أن العبادات لا ينوب فيها أحد عن أحد ، فإنه لا يصلي أحد عن أحد باتفاق ، ولا يزكي أحد عن أحد ( 1 ) ، وأما الأثر … ، وذكر الحديثين السابقين عن ابن عباس . انتهى كلام ابن رشد .
قال في ( الفتح ) : نقل الطبري وغيره الإجماع على أن النيابة لا تدخل في الصلاة ، قالوا : ولأن العبادات فرضت على جهة الابتلاء ، وهو لا يوجد في العبادات البدنية إلا بإتعاب البدن ، فبه يظهر الانقياد أو النفور بخلاف الزكاة ، فإن الابتلاء بنقص المال وهو حاصل بالنفس وبالغير ، وأجب بأن قياس الحج على الصلاة لا يصح ؛ لأنه عبادة مالية بدنية معًا ، فلا يترجح إلحاقها بالصلاة على إلحاقها بالزكاة ، ولهذا قال المازري : من غلَّب حكم البدن في الحج ألحقه بالصلاة ، ومن غلب حكم المال ألحقه بالصدقة . انتهى .
قال ابن قدامة في ( المغني ) : من وجدت فيه شرائط وجوب الحج وكان عاجزًا عنه لمانع ميئوس من زواله كزمانة أو مرض لا يرجى زواله ، أو كان نضو ( مهزول ) الخَلْق ، لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة ، والشيخ الفاني ، ومن كان مثله متى وجد من ينوب عنه في الحج ، ومالاً يستنيبه به لزم ذلك . ( انتهى ) .
أما مالك وأصحابه ، فالمشهور من قولهم أنه لا يحج أحد عن أحد إذا كان حيًّا ، ولو كان قادرًا بماله ، ولكن يجوز أن يحج عن الميت إذا أوصى ، وأحاديث الباب حجة عليهم .
أما الأحناف ، فقال في ( المبسوط ) : المذهب عندنا أن المعضوب والمقعد والزِّمن لا يجب عليه الحج باعتبار ملك المال ، ( ثم قال ) : وحجتنا في ذلك قوله تعالى : ( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) [ آل عمران : 97] ، فإنما أوجب الله تعالى الحج على من يستطيع الوصول إلى بيت الله تعالى ، والزَّمن لا يستطيع الوصول إلى بيت الله تعالى ، فلا يتناوله هذا الخطاب ، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشرط مالاً يوصله إلى البيت بقوله : ( من وجد زادًا وراحلة يبلغانه بيت الله تعالى ) ، وزاد المعضوب وراحلته لا يبلغانه بيت الله تعالى ؛ فصار وجوده كعدمه .
( وقال أيضًا ) : الحج فرض العمر ، فيعتبر فيه عجز مستغرق لبقية العمر ليقع به اليأس عن الأداء بالبدن ، فقلنا : إن كان عجزه بمعنى لا يزول أصلاً كالزمالة ، يجوز الأداء بالنائب مطلقًا ، وإن كان عارضًا يتوهم زواله ؛ بأن كان مريضًا أو مسجونًا ، فإذا أدى بالنائب كان ذلك مراعى ، فإن دام به العذر إلى أن مات تحقق اليأس عن الأداء بالبدن ، فوقع المؤدى موقع الجواز ، وإن برأ من مرضه تبين أنه لم يقع فيه اليأس عن الأداء بالبدن ، فكان عليه حجة الإسلام ، والمؤدى تطوع له .
(

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا