باب السنة
كتبه فضيلة الشيخ / محمد علي عبد الرحيم ( رحمه الله ) الرئيس العام السابق للجماعة .
الحج
فُرض الحج على أصح الأقوال في السنة التاسعة من الهجرة ، ولم تكن الجزيرة العربية قد طهرت تمامًا من الشرك بالله ، ولذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ليحج بالناس ، فخرج في نحو ألف وخمسمائة من الصحابة ، وبينما هو في الطريق نزلت سورة ( براءة ) ، وفيها : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ) [ التوبة : 28] ، فبعث بها علي بن أبي طالب يقرؤها على الناس ، وأمره أن يبلغهم : ( أنه لا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ) .
وقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحج هذا العام ، لما يرى من أهل الجاهلية تعظيمًا لآلهتهم ، وأنهم يطوفون عراة ، ولا يمكن أن يرى ذلك ويسكت ، أو أن يسمع من يهتف بآلهتهم ويسكت على ذلك أيضًا ، ولابد أن يغضب لله ، ويخشي أن تقوم ثورة بين المسلمين والمشركين حول بيت الله تعالى فتراق الدماء ، وهذا ما يخشاه رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم .
فلما كان من العام القابل ( العاشر من الهجرة ) ، ودخل شهر ذي القعدة أذن في الناس بالحج ، وبعث من يبلغ القبائل ليخرجوا للحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يلتقوا به في مشاعر الله بمكة ؛ لأنه يحب أن يلقاهم ليبلغهم جميعًا رسالة ربه .
وفي اليوم الخامس والعشرين ( وكان يوم سبت ) ، صلى الظهر بمسجده بالمدينة ، وخطب الناس فيما يعمل الناس حين إحرامهم ، ثم خرج إلى ذي الحليفة – ميقات أهل المدينة – وتسمى الآن : ( آبار علي ) ، وهي على مسيرة نحو عشرة كيلو مترات من المدينة ، فنزل بها وصلى العصر ركعتين ، والمغرب ثلاثًا ، والعشاء ركعتين ، وبات بها ، وكان معه نساؤه التسع ، رضي الله عنهن ، فطاف عليهن كلهن في هذه الليلة ، ثم اغتسل غسلاً واحدًا ، ثم صلى الصبح ، ثم طيبته عائشة بطيب فيه مسك ، استمر ثلاثة أيام ، وذلك قبل إحرامه .
وفي أثناء ذلك ولدت زوجة أبي بكر ، رضي الله عنه ، ( أسماء بنت عميس ) محمد بن أبي بكر ، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمرها أبو بكر بأن تغتسل وتترجل – تمشط شعرها – ثم تهل بالحج ، وتصنع ما يصنع الحاج ، إلا أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر .
الإحرام :
وعند حلول وقت الظهر ، صلى الظهر ركعتين ، وأهل ، فقال : ( لبيك اللهم حجًا وعمرة ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ) .
لم يتلفظ بقوله : نويت ، وليس من هديه أن يقول : نويت . لا في صلاة ، ولا حج ، ولا في غيره ، فالتلفظ بالنية بدعة .
وكل من سمع النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة أهلَّ كذلك ، ولما استقبل راحلته رفع صوته بالتلبية وأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بها ، كلما هبط ودايًا ، أو علا شرفًا ، أو لقي ركبًا ، وفي أدبار الصلوات المكتوبات وأواخر الليل .
وهكذا ظل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي : ( أيها الناس ، خذوا عني مناسككم ، فلعلكم لا تلقوني بعد عامكم هذا ) .
وسار في طريقه حتى وصل إلى سَرِف – بفتح السين وكسر الراء – مكان بالطريق ، وحط رحاله ، ودخل على عائشة ، فوجدها تبكي ، فقال : ( ما يبكيك ؟ لعلك نفست ) ؛ أي جاءها الحيض ، فقالت : نعم .
فقال : ( ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم ، اغتسلي ، ثم أهلي بالحج ، وافعلي ما يفعل الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) .
وفي هذا المكان – سَرِف – جاءه جبريل عليه السلام وأبلغه أن الدخول إلى مكة بالعمرة في موسم الحج أحب إلى الله ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن من لم يكن معه هدي يحسن أن يفسخ الحج إلى عمرة ، وكان ذلك بصورة غير جازمة ، واستمر النبي صلى الله عليه وسلم في سيره ، حتى وصل إلى مشارف مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة ، فبات واغتسل من بئر ذي طوى ( وقد لجأ الناس حديثًا إلى التبرك به ، أضاع معالمه أهل التوحيد تجنبًا للشرك بالله ) .
وفي صبيحة اليوم الخامس من ذي الحجة دخل مكة في الضحى ، ولما وقع بصره على البيت رفع يديه وكبر وقال : ( اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، فحينا ربنا بالسلام ، اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة ، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمر تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا وبرًا ) .
ثم اتجه إلى البيت ، وجعل طرف ردائه الأيمن من تحت إبطه الأيمن ، وألقاه على كتفه الأيسر – وهذا يسمى الاضطباع – فلما حاذى الحجر الأسود استقبله واستلمه ، ولم يزاحم عليه ولم يقل : نويت الطواف .
محظورات الإحرام :
يحرم على المحرم من الرجال والنساء قتل الصيد البري ، وعقد النكاح ، والجماع ، وخطبة النساء ، ومباشرتهن ، والطيب ، و


