الافتتاحية
الاستعداد ليوم المعاد
بقلم الرئيس العام / محمد صفوت نور الدين
الحمد لله سبحانه رب كل شيء ومليكه بيده ملكوت كل شيء علق سعادة الدارين بطاعته ، وشقاءهما بمعصيته ومخالفة رسله : ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى(123)وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) [ طه : 123 ، 124 ] .
ولما كانت الدنيا دار ممر لا دار مستقر ، ودار اختبار وابتلاء لا دار مكافأة وجزاء ، لم يجعل فيها من صنوف الجزاء إلا ما يتعلق به التذكرة والعبرة ، بل أعطى الكافرين فيها عطاء طغوا به : ( فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) [ التوبة : 55] .
ومن شفقته سبحانه بخلقه أن لم يجعل المال والمتاع في الدنيا حكرًا على الكافرين ، فقال سبحانه : ( وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ(33)وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ(34)وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ(35)وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ(36)وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) [ الزخرف : 33 – 37] .
واعلم أخا الإسلام أن الدنيا قليلة في أمدها ونعيمها ، بل قليلة في عذابها قليلة في شقائها وسعادتها ، وأن ما في القبر من العمر أطول من حياة العبد في الدنيا ، ومن الأهوال أشد وأفظع ، ويهون ما في القبر من الأهوال ، إذا قيس بما أعد الله ليوم البعث يوم القيامة ، يوم الحساب والنشور ، وأن الأشد والأكثر والأدوم والأطول من العذاب ما كان من عذاب في النار ، أجارنا الله وإياكم منها ، وجعل الله للأنبياء ومن تبعهم من المؤمنين العاملين مخرجًا ونجاة من كل ذلك ، وجعل عاقبتهم جنة عرضها كعرض السماوات والأرض أُعدت للمتقين ، فالفائز المفلح الذي ينجو يوم العرض فيزحزح عن النار ويدخل الجنة : ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) [ آل عمران : 185] .
والعذاب الأخروي كثير الألوان شديد الوقع ، لا يحتمله أهل الصبر والجلد ، بل ولا يطيقه من الخلق أحد ، وجعل رب العزة عذاب يوم القيامة مقدمة له لا يطيقه الصابرون ، ويشفق منه الأنبياء والمرسلون ، فيقولون : ( سلم . سلم ) .
من ذلك العذاب الأخروي الفضيحة على ملأ الخلق جميعًا : ( ينصب لكل غدرة لواء يُقال : هذه غدرة فلان ابن فلان ) .
ومنه العطش الشديد الذي تنقطع منه الأعناق ، ومنه الفزع والهلع الذي تنقطع منه القلوب وتبلغ القلوب الحناجر ، ومنه دنو الشمس من الرءوس قدر ميل أو ميلين ، وزيادة العرق ، حتى يغرق فيه الخلق .
وربنا الرحمن الرحيم أعد في هذا اليوم العظيم للمؤمنين العاملين من كل هم فرجًا ، ومن كل ضيق مخرجًا ، فالعامل المخلص لربه المتتبع لشرعه يتغمده الله برحمته الواسعة في ذلك اليوم العصيب ، فيحميه بفضله ، وينجيه من كل كرب ، من ذلك أن جعل في ذلك اليوم للمؤمنين من العطش حوضًا يشرب منه الصالحون ، فلا يصيبهم الظمأ أبدًا ، وتقف ملائكة على الحوض تقصي أصحاب المحدثات ، فلا يشرب منه إلا من كان بالسنة مهتديًا ، وبالرسول صلى الله عليه وسلم مقتديًا ، وجعل في ذلك اليوم سترًا يستر به عباده ، فمن ستر مسلمًا في الدنيا ستره الله تعالى يوم القيامة ، وجعل لمن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، وأعد سبحانه في ذلك اليوم من الحر والعرق ظلاً لا يأوي إليه إلا من أرادهم الله برحمته ، فعدهم أصنافًا لا يملك غيرهم أن يشاركهم أو يستظل معهم إنما يبلغ الله ظله لأهل الظل وريه لأهل الري وستره لأهل الستر وهو على كل شيء قدير .
فانظر أيها العاقل الذكي ، يا من تستعد في الدنيا من عزوبتك لزواجك ، ومن ليلك لنهارك ، وتستعد طوال سنتك إن كانت طالبًا ليوم امتحانك ، انظر فذلك اليوم أحق أن تستعد له : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(18)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(19)
لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ(20)
لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَ


