الإلحاد ليس تطورا
بقلم فضيلة الشيخ محمد الغزالي
ربما شك بعض الناس في حقيقة الدين الذي يعتنقه، أو في جدواه عليه..
فان ساور هذا الخاطر أحدا من خلق اللَّه، فإن العربي آخر امرئ يعرض له هذا الظن، بل يقرب من المستحيل أو يساوره..
ذلك أن فضل الإسلام على العرب كفضل الضياء والماء على الزرع.
لا أقول: أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، بل أقول: أوجدهم من عدم، وجعل لاسمهم حقيقة، وأقام بهم دولة وانشأ حضارة..
قد تكون بعض العقائد عقاقير مخدرة للنشاط البشري..
لكن الإسلام لما جاء العرب شحذ هممهم، وأنار عقولهم، ووحد صفهم، وطار بهم إلى آفاق مادية وأدبية لم يحلم بها آباؤهم، ولا تخيلها أصدقاؤهم أو أعداؤهم..
ومضى العرب في طريق المجد الذي شقه الإسلام لهم، فعرفهم العالم وكان من قبل يجهلهم، وأفاءوا على ماضيه القريب ما لا ينكره إلا متعصب كنود..
وارتبطت مكانة العرب الذاتية والعالمية بهذا الدين، فهم يتقهقرون إذا تخلوا عنه، وسيباح حماهم. وهم يرتقون ويتقدمون إذا تشبثوا به، وتحترم حقوقهم..
على عكس ما عرف من أمم أخرى لم تستطع التحليق إلا بعد ما تخففت من مواريثها الدينية، كلا، أو جزءا..
وقد استطاع مسلمو الجزائر في هذا العصر أن يستخلصوا حريتهم من براثن عاتية، وأن يدفعوا ثمن هذا الخلاص مليونا ونصفا من الشهداء..
ٍوما ينبغى تقريره في هذا المجال أن الإسلام وحده كان وقود هذا الكفاح القاسي، الإسلام لا القومية..
فلما ظفر الجزائريون باستقلالهم بدءوا يستعيدون عروبتهم التي فقدوها خلال قرن وربع، وضعت مشروعات لجعل الأفراد والجماعات ينطقون بالعربية ويتفاهمون بها، بعد ما كادت هذه اللغة تبيد أمام زحف الفرنسية وسيادتها في الشوارع والدواوين..
إن الإسلام بالنسبة إلى العروبة ولي نعمتها وصانع حياتها، وقد اعترف مسيو (جارودي) – وهو شيوعي فرنسي عاش ردحا من الزمن في جبهة التحرير الجزائرية – اعترف بأن الدين وحده هو الذي أوقد شرر هذا الكفاح العزيز الغالي، وأن الإسلام يستحيل أن يوصف بأنه مخدر للشعوب..
والإسلام لا يجعل من العرب شعبا مختارا يفضل غيره لسلالة معينة أو دم خاص، كلا كلا، إن اللَّه اختار لعباده تعاليم راشدة وشرائع عادلة، ثم وكل إلى العرب أن يحملوا هذه التعاليم والشرائع، ليعملوا بها وليعلموها من شاء..
واللَّه يأبى كل نعرة عنصرية أو استعلاء قومي..
إنها مبادئ محددة، تنطلق الأمة منها، فتكون بعين اللَّه، أو تند عنها فيدعها اللَّه لنفسها..
بالوفاء لهذه المبادئ تصعد، فإن فرطت هوت..
ولذلك يقول اللَّه للمنهزمين في أحد: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فالعلو قرين الإيمان.
وينصح الأمة كلها بالطاعة والإصطلاح ويتهدد عدوها بالطرد والهوان، ثم يأمرها بالمقاومة ورفض الاستسلام، وسيكون المستقبل لها إن هي أبقت حبلها موصولاً بربها:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}.
والتدبر في هذه الآيات الثلاث يعطى فكرة بينة أن تفضيل الأمة هو تفضيل سلوك، ومنهج، لا تفضيل دم أو لون.
وأن الإيمان الشريف والاستقامة الواضحة أساس العزة المنشودة.. وأنه مهما لاقى المسلمون من صعاب وهزائم فلا يجوز أن يقبلوا سلما مخزيا، ولا أن يعطوا الدنية من أنفسهم.
ولهم أن يركنوا إلى اللَّه، ولن يذل جانبهم، ما آمنوا به وعملوا له. واليقظة العزيزة التي صنعها الإسلام وهو يبنى الأمة يمكن أن نتابعها في مرحلتين:
الأولى: في العهد المكى، يوم كان المسلمون قلة تتوقع الضيم ويتجرأ عليها الأقوياء. لقد أمر المسلمون إبان هذه المحن أن يثبتوا ويشمخوا بحقهم، ويتنكروا لكل هوان ينزل بهم، ويطلبوا ثأرهم ممن اعتدى عليهم، فان عفوا فعن قدرة ملحوظة لا عن ادعاء مرفوض..
انظر كيف وصفت سورة الشورى المكية طلاب الآخرة الذين يؤثرون ما عند اللَّه على هذه الدنيا، أنهم:
{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.
فطلاب الآخرة – كما وصفتهم السورة المكية – ليسوا الذين يعيشون في الدنيا أذنابا مستباحين، أو ضعافا مغموصين أو كما يقول الشاعر يصف قوما تافهين..
ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود
لا، لا، إن هؤلاء المؤمنين بالد


