الافتتاحية
الأسرة ذلك البناء الرباني
بقلم الرئيس العام / محمد صفوت نور الدين
الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وصحبه وبعد :
فإن الله جلت قدرته جعل المؤسسات التربوية التي يعهد إليها بتربية الإنسان في منهج الإسلام تتمثل في مؤسستين اثنتين هما : الأسرة ، والمسجد .
وقد جعل سبحانه الأسس التي تبنى عليها الأسرة أسسًا فطرية ، والأسس التي يبنى عليها المسجد أسسًا شرعية ، وأيما مسلم نقل معه من المسجد الأسس الشرعية إلى البيت سعد وأسعد البيت ، بل سعد به البيت ، وأيما عبد لم ينقل أسس المساجد الشرعية إلى البيت فإنه لا يرى السعادة ، بل يشقى ، ويشقى به البيت الذي يحيا فيه .
وبيان ذلك أن الأسس الفطرية هي التي يشترك فيها المؤمن والكافر ، والأسس الشرعية هي التي بعث الله بها رسله وأنزل بها كتبه ؛ أي تلك الأعمال التي يُثاب عليها فاعلها من الله سبحانه .
فالأسرة تتكون من زوج وزوجة ، ثم يصبحا أبًا وأمًّا لأبناء وحفدة ، فالرجل عندما يكبر ولده ويبلغ مبلغ الرجال لا يرى غرابة ولا غضاضة في أن يطلب منه أن يختار له فتاة يتزوجها ، بل قد يكون الأب هو الذي يبدأ في العرض عليه إذا وجده متشاغلاً أو خجلاً ، بل ويستغرب منه التأخر في طلبه هذا ، وكذلك الفتاة عندما تبلغ مبلغ النساء لا يتعجب الرجل ولا تتعجب زوجه من أن خاطبًا طرق بابهم يريد الزواج من ابنتهم ؛ ذلك لأن هذا كله من الأمور الفطرية التي فطر الله الخلق عليها : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) [ الروم : 30] .
وتلك الأسس الفطرية فيها الميل الفطري من الرجل للمرأة ، ومن المرأة للرجل لم يأت بها الشرع إنما جاء الشرع بترويضها ، فأمر الرجال والنساء بغض الأبصار ، وبيّن أن ذلك هو طريق حفظ الفروج : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) [ النور : 30] ، وكذلك : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ ) [ النور : 31] .
وأمر كذلك المرأة بالحجاب ، ونهاها عن التعطر إذا خرجت من البيت ، ونهاها عن الخضوع بالقول ، حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض ، كأن الشرع جاء بالتدابير الواقية التي يحمي بها العبد من نفسه التي بين جنبيه أن تزين له السوء ، ومن الشيطان الذي ينزغ في شهوته ، ثم أمر بالزواج تحصينًا للفرج وغضًّا للبصر وتكوينًا للأسرة وبناءً لها .
بل إن الله سبحانه فطر الأم والأب على حب الأبناء ، لذا فإنه لم يوص بالإحسان إليهم كما أوصى بالإحسان إلى الوالدين ؛ لأن حب الولد فطري وحب الوالد شرعي ، فإذا أنفق الرجل على ولده أو سهر عليه فهذه أمور فطرية ، والأم في ذلك أكثر ، تلك بعض الأسس الفطرية التي بنى الله عليها الأسرة .
أما المساجد فكل أسسها شرعية ؛ فاتجاه القبلة في بناء المسجد : ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) [ البقرة : 144] ، والدخول إليها يسبقه الوضوء : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ) [ المائدة : 6] ، بل والدخول إليها بالرجل اليمني والخروج منها باليسرى ، والداخل لا يجلس حتى يركع ركعتين ، وينادى على الناس للصلاة في أوقات خمس معلومة ، وللصلاة هيئة وعدد ركعات معلومة .
ويوم الجمعة ينادى على الناس للصلاة ، فيحرم عليهم الاشتغال بالبيع والتجارة ، وسكوت المصلين عند الخطبة شرعي ، والاستماع والإنصات للإمام إذا قرأ في الصلاة فرض لازم لكل المأمومين .
فهذه لمحة لبيان الأسس الفطرية للبيت ، والشرعية للمسجد ، فإذا جاء الرجل إلى المسجد تعلم طريق الجنة في مرضاة رب العالمين ، بأداء الأمانات التي عليه ، فيعرف أمانة الزوجة والولد ، ويعرف أن الرفق بهم مهمة شرعية جاء بها الشرع الشريف ، ويتعلم آداب معاملة الزوجة وآداب تربية الولد ، فإذا رجع إلى بيته عمل ذلك وامتثله فأسعد بدخوله البيت كله زوجة وولدًا ، عالمًا أنه ينال من الله سبحانه الأجر على الرفق بالزوجة ، والإحسان إلى الولد ، فالزوجة تسعد ، والله يأجر ، والولد يسعد ، والله يأجر ، فسبحان الله رزقنا الحسنات ليسعد الخلق .
فإذا سألت الزوجة عن أفعاله وأخلاقه ، أخبرها الزوج أن ذلك كله تعلمه في المسجد ، فإذا رأت سعادتها في وصايا المسجد أحبت المسجد قبل أن تعرفه ، فإذا أرادت أن تدخل المسجد تداركها الشرع بحديث : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) .
وبحديث : ( إذ


