احذروا الغيبة فإنها منتنة
بقلم الشيخ / عبده أحمد الأقرع
أخي في الله ؛ اعلم هداني الله وإياك سبيل الرشاد أن الغيبة من الأمراض التي انتشرت في المحافل والمجالس ، حتى صارت المجالس لا تخلو ولا تطيب إلا إذا ذكر فيها الناس بما يكرهون ، ألا فاعلم أن الله ، تبارك وتعالى ، قد نهى عن الغيبة ، وصورها بأقبح صورة لينفر ذوى الطباع السليمة منها ، فقال تعالى : ( وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ) [ الحجرات : 12] أي ؛ كما تكرهون هذا طبعًا ، فاكرهوا ذاك شرعًا ، فإن عقوبته أشد من هذا ، ففي حجة الوداع وقف النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا جموع المسلمين الوافدة من شتى أقطار العالم فقال : (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، ألا هل بلغت ) (1) .
وحذر ، عليه الصلاة والسلام ، من الغيبة فقال : (يا معشر من آمن بلسانه ، ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته ، يفضحه ولو في جوف بيته ) (2).
فلننظر بتدبر وتمحص ، ولننظر بعين الرهبة والتعظيم لأوامر الله تعالى ، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، إن حرمة الغيبة عند الله تعالى كحرمة يوم النحر ، في شهر ذي الحجة في منى ، فهل علمتم ، إخواني في الله ، حرمة عرض المسلم ؟ فهل علمتم مدى حرمة عرض المسلم يا أصحاب الغيبة ، ويا آكلي لحوم المسلمين ؟
الله أكبر ، أين العقول ؟ الله أكبر ، أين الإيمان الذي يعمر النفوس أين الإيمان الذي يمنع الاستطالة في أعراض المسلمين ؟ وعن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) (3) .
أين ذهبت عقول هؤلاء المغتابين ؟ كيف بهم ينهشون أعراض المسلمين ويأكلون لحومهم ، وهم يسمعون هذا الحديث ؟ فليبشروا بأظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم ، إنها أظفار فاقت أظفار الوحوش الضارية ، ليزدادوا عذابًا ، جزاءً وفاقًا على أفعالهم القبيحة ، وأعمالهم السيئة ؛ فأقلوا أو استكثروا أيها المغتابون بعد هذا من غيبتكم .
ولقد عظم الله ورسوله الغيبة تعظيمًا ؛ حتى قالت عائشة ، رضي الله عنها : قلت :
يا رسول الله حسبك من صفية كذا وكذا – قال بعض الرواة : تعني قصيرة – فقال صلى الله عليه وسلم : (لقد قلت كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته) (4) . ومعنى (مزجته) : خالطته مخالطة يتغير بها طعمه أو ريحه لشدة نتنها وقبحها .
الله أكبر ؛ كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته ، كلمة واحدة تفعل هذا الفعل وتؤثر هذا التأثير ، فما أدراك بما يفعله المغتابون اليوم وألسنتهم لا تكل ولا تمل مما يفعلون ، أي بحار تمزج كلماتهم لو مزجت بها ، وأي مياه تنتن ؟ وأي طيب عيش يفسدون ؟
والمغتاب ينتن الريح ؛ يشهد لذلك ما جاء في الحديث ؛ عن جابر ، رضي الله عنه ، قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فهبت ريح منتنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتدرون ما هذه الريح ؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين) (5) .
كما أن المغتاب جبان ضعيف الشخصية ؛ لأنه لا يستطيع المواجهة ، ولا يقوى على المصارحة ، ولو كان شجاعًا لذكر المرء بما فيه أمامه ، وبين له بالحسنى صفاته وأفعاله ، لماذا لا يكون الواحد منا شجاعًا يواجه صاحب العيب بعيبه ؟ فيكون مأجورًا مشكورًا ، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر ، محققًا في نفسه قول الله تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين ) [ فصلت : 33] .
كما أن المغتاب ناقص الإيمان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) (6) .
فيا أيها المغتاب أأحببت لأخيك ما أحببت لنفسك من الخير عندما اغتبته ؟ أتحب أن يذكرك أحدٌ من خلفك بما تكره ؟ فكيف تفعل ما تكره أن يفعل بك ؟ وسبحان الله القائل : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) [ الكهف : 103] .
فترى المغتاب يقول : نحن نذكر ما فيه من خلفه لصالحه ولمنفعته التي يجهلها ، وربما قال بعضهم : نفعل ذلك حرصًا على المصلحة العامة ، فاستطالوا بذلك على أعراض إخوانهم ، فلهؤلاء نقول : إن العمل الذي يُعمل ينبغي أن يكون مشروعًا ، ولا يكفي للنجاة من عذاب الله تعالى أن يحسن المرء نيته وحدها ويترك ما سوى ذلك ، فالمشركون – كما يزعمون – كانت نواياهم طيبة جدًا ، وجاء بيان هذا في القرآن العظيم ، قال الله تعالى


