الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

يوسف عليه السلام وإخوته

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب السيرة
اللقاء الأول بين يوسف عليه السلام وإخوته ‏
بقلم الشيخ : عبد الرازق السيد عيد ‏

الحمد لله الذي يصيب برحمته من يشاء ، ولا يضيع أجر المحسنين ، والصلاة ‏والسلام على الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، سيدنا محمد بن عبد الله وعلى من ‏اقتفى أثره واتبع هداه . أما بعد :‏
أيها الأخ الكريم لعلك تذكر ما وقفنا عنده في اللقاء السابق ، حيث مكَّن الله ‏ليوسف عليه السلام في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء ، وولاه الملك على خزائن ‏مصر وأقوات أهلها ، وصار ليوسف عليه السلام من المكانة عند الملك بحيث لا ‏يصدر الملك نفسه أمرًا إلا بمشورة يوسف عليه السلام ، فصار يوسف عليه السلام ‏وكأنه الحاكم الفعلي للبلاد .‏
ومرت سنوات واستقر الأمر فيها ليوسف عليه السلام وعمَّ الرخاء ، وساد العدل ‏وانتشر السلام والإسلام في ربوع البلاد .‏
وبدأت سني القحط الذي لم يصب مصر وحدها ، بل أصاب مصر وجميع البلاد ‏المجاورة ، وكانت مصر أحسن حالاً من غيرها ، بل كانت – في عنفوان الشدَّة – ‏هي مصر القمح لجميع البلاد المجاورة ، ذلك بفضل الله ، ثم بفضل ما أولاه ‏سبحانه ليوسف عليه السلام من حكمة في إدارة شئون البلاد ، واشتهر عدل ‏يوسف عليه السلام في الآفاق ، وأخذت الوفود تتوافد على مصر من كل حدب ‏وصوب طلبًا (للميرة) الطعام ، وممن وفد على يوسف عليه السلام في ذلك الحين ‏إخوته من أبيه الذين جاءوا من الشام ، وهنا نبدأ معك بعون الله وحوله وطوله ‏ومدده وقفتنا اليوم ، والتي ستكون كما يلي :‏
أولاً : ( وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ(58)‏
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا ‏خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ(59)فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ(60)‏
قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ) [ يوسف : 58 – 61] .‏
في قوله تعالى : ( وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ) : ‏
قال ابن كثير ، رحمه الله : يخبر تعالى عن قدوم إخوة يوسف عليه السلام إلى ‏الديار المصرية يمتارون طعامًا ، وذلك بعد إتيان سِنيِّ الجدبِ وعمومها على سائر ‏البلاد والعباد ، وكان إذ ذاك الحاكم في أمور الديار المصرية دينًا ودنيا ، فلما ‏دخلوا عليه عرفهم ولم يعرفوه ؛ لأنه لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف عليه ‏السلام من المكانة والعظمة ، فلهذا عرفهم وهم له منكرون . اهـ .‏
وصدق والله ابن كثير ، فلم يخطر ببال إخوة يوسف ما صار إليه أمر أخيهم الذي ‏وضعوه بأيديهم في الجُبَ ولم ينصرفوا إلا بعد أن تأكدوا من القافلة وهي تحمله إلى ‏حيث يصير عبدًا مملوكًا ، فكيف صار المملوك حاكمًا لأرض مصر ؟‏
ذلك لأن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .‏
دخل إخوة يوسف عليه كما يدخل عليه جميع الوفود بسهولة ويسر ، فليس له ‏حجاب ولا حراس يمنعون الناس من الدخول عليه ، وذلك من تمام عدله ، ‏فعرفهم يوسف ؛ لأنهم لم يتغيروا كثيرًا ، وهم لم يعرفوه لما صار عليه .‏
مع قوله تعالى : ( وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ ‏أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ(59)فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا ‏تَقْرَبُونِ ) :‏
أكرم يوسف عليه السلام وفادة إخوته وأعْطَاهم ما يريدون من الطعام ، وزادهم ‏إكرامًا ، ثم طلب منهم أن يأتوا بأخيه بنيامين في المرَّة القادمة ، فيوسف عليه ‏السلام أراد أن يخصَّ أخاه بنيامين بخصوصية يتميز بها عن إخوته ؛ لأنه لم ‏يشاركهم في مؤامرتهم الأولى ، فهو الأخ الشقيق ليوسف ، فأراد أن يضم يوسف ‏أخاه إليه قبل إخوته ، فطلب منهم إحضاره تمهيدًا لما يريد ، ولأن يوسف يعرف ‏منزلة أخيه عند أبيه وحرصه عليه بعد ذهاب يوسف ، ومن ذلك لا يسمح له ‏بمفارقته لأنه يشم فيه ريح يوسف ، ويتسلى به عن فقد يوسف ، فالأمر حقًّا ‏صعب ، ولذلك هدَّد يوسف عليه السلام إخوته قائلاً : ( فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ ‏لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ ) هددهم بمنع الطعام في المرَّة القادمة إن لم يكن معهم أخوهم ‏‏، وذلك حتى يحملهم على الإتيان به مهما كلفَّهم الأمر .‏
وكان إخوة يوسف على علم بصعوبة الأمر ، ولذلك قالوا : ( قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ ‏وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ) .‏
فقولهم : ( سَنُرَاوِدُ ) يشير إلى صعوبة الأمر ؛ لأن المراودة تكرار للطلب مرَّة بعد ‏مرة ، وهم سيفعلون ذلك لحاجتهم إلى الطعام ، ولذلك قالوا : ( وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ) ، ‏فاستخدموا التوكيد بـ (إن) ، واللام إشارة إلى حديثهم في الطلب واهتمامهم به ‏مهم

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا