وهل صار لقبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مقصورة؟
بقلم: الدكتور إبراهيم إبراهيم هلال
مع الكلمة التى نشرتها صحيفة الأهرام في صفحة الفكر الدينى للسيد الأستاذ محمد حسن التهامى نائب رئيس الوزراء برئاسة الجمهورية يوم الجمعة 27 شوال 1398 الموافق 29 ديسمبر 1978. وضعت صورة السيد / محمد حسن التهامى، وهو واقف أمام قبر الرسول صلى الله عليه وسلم .. وكتب تحتها: ( محمد حسن التهامى أمام المقصورة النبوية الشريفة في المدينة المنورة ). وظهر في الصورة أمام السيد محمد حسن التهامي الحاجز الحديدي بين القبور الثلاثة: قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه وبين المسجد، ومن أمام هذا الحاجز وفي منتصفه ظهر أحد الأعمدة الرخامية لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأعطى هذا المنظر لعامة الناس ما يشبه شكل المقصورة التى يراها الناس على القبور الأخرى التى ظلمت وظلم أصحابها بوضع هذه المقاصير عليها. ومن أجل هذا كتب محرر هذه الصفحة تلك العبارة المتقدمة ترويجًا على عوام المسلمين ممن لم يذهبوا إلى المدينة، ولا رأوا قبر الرسول صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه. مع أنها في الواقع صورة لحاجز حديدى ذى قضبان، ومن أمامه بمسافة منظر أحد أعمدة المسجد.
ولكن كاتب صفحة الفكر الدينى، رأى في ذلك وسيلة يموه بها على المسلمين ويضللهم بأن لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم مقصورة وكأنه- بذلك- يريد التدليل على شرعية المقاصير التى وضعت على قبور المسلمين زورًا وبهتانا، لأنه إذا وقر في نفوسهم أن لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم مقصورة، فقد أصبحت المقاصير على القبور الأخرى مشروعة، وتقبلوها على هذا الأساس. وفي هذا آخر تطور في العصر الحديث لأساليب الابتداع وتحليل الحرام، وليس هذا هو الأمانة الدينية التى كلف بها الدعاة إلى الإسلام حين يدعون إلى اللَّه.
فإن مقتضى الأمانة أن لا نخرف، ولا نبدل في حقائق الدين وأصوله، وإنما نقدمها للناس كما جاءنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمنا إياها. ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، قد جاءنا بالقول الفصل في هذا، ونقل ذلك عنه أصحابه وفي مقدمتهم ابن عمه وزوج ابنته فاطمة الزهراء رضي اللَّه عنها وهو علي رضي اللَّه عنه، وذلك في قوله لأبى الهياج الأسدى: ( ألا أبعثك على ما بعثنى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته ).. كما أنه صلى الله عليه وسلم قد علمنا الدفن الشرعى قبل وفاته، ودفن الكثيرين بديه وتحت إشرافه، وأصبح الدفن الشرعى وإعداد القبر معلومًا لجميع المسلمين لا يمارى فيه أحد الآن. وكان دفنه صلى الله عليه وسلم على ذلك الوضع الشرعى الذى علمه لأصحابه كما يعرف الجميع وفي حجرة عائشة رضي اللَّه عنها هو على رضي اللَّه عنه.
وكان المقدم الأول والمشرف المباشر من بين الصحابة رضي اللَّه عنهم، وهذه حقيقة لا يمارى فيها صوفى ولا شيعى , وهذا شيخ من أئمة التصوف في العصر الحديث وهو الشيخ محمد ماضى أبو العزائم يسجل هذه الحقيقة فيما ترك من مؤلفات، وإن كان خليفته من بعده أبى إلا أن يجعله من أصحاب المقاصير أيضًا.
قال الشيخ في كتابه ( تفصيل النشأة الثانية ) عن طريقة الدفن الشرعى والقبر الشرعى والحكمة منها: (…. يجهل الناس حكمة الشريعة في النهى عن التماثيل وتجصيص القبور. ولو علموا الحكمة لما وسعهم إلا إخفاء القبور. وقد وصى عمر بن عبد العزيز أن يحفر له في الأرض ثم يدفن ويردم عليه، ويزع فوقه حتى لا يجعل المسلمون قبورهم مساجد كما فعل النصارى ).
وقد نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن التماثيل وتجصيص القبور. وهذا لا يمنع أن نضع حجرًا عند رأس الميت ليعرف قبره. وقد فعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذلك فوضع حجرًا عند رأس عثمان بن مظعون على قبره. وإنما النهى عن تجصيص القبور ووضع التماثيل في البيوت أو عند القبور، لأن ذلك من عمل الجاهلية ومن الرياء والكبر.
وجمال القبر أن يكون روضة من رياض الجنة، بعمل صاحبه الصالح، وأن تجرى على ساكنه خيرات الصدقات التى سعى فيها، وعن الوقوف عليه، والجلوس عليه، وعن وجود النار عنده والكتابة عليه.
ثم يقدم الشيخ أبو العزائم ما يأتى تحت هذا العنوان:
( الوارد في النهى عن التماثيل والتجصيص ):
عن أبى الهياج الأسدى قال: قال لى على رضي اللَّه عنه: ألا أبعثك على ما بعثنى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .. قال: ” اذهب فلا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته “.
وعن المطلب بن أبى وداعة قال: لما مات عثمان بن مظعون، وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين، فلما دفن أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يأتيه بحجر فليعلم قبره به، فأخذ حجرًا ضعف عن حمله فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحسر عن ذراعيه ثم حمله فوضعه عند رأسه وقال: ” أعلم به قبر أخى فاد


