الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

وقفات مع القصة فى كتاب الله

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

وقفات مع القصة في كتاب الله .
دعوة لوط عليه السلام لقومه
فضيلة الشيخ / عبد الرزاق السيد عيد

الحمد لله الذي حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، والصلاة والسلام على خير البشر سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وصلاة وسلامًا على إخوانه الأنبياء والمرسلين . وبعد :
قال الله تعالى : ( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ(80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) [ الأعراف : 80 ، 81] .
اذكر يا محمد ما نقصُّ عليك من خبر لوط مع قومه إذ أنكر عليهم ما ابتدعوه من فاحشة لم يسبقهم إليها أحد ، وتلك الفاحشة المنكرة هي إتيان الرجال شهوة من دون النساء ، وهذا دليل على تجاوزهم الحد في المعصية .
ولوط نبي الله عليه السلام هو لوط بن هاران بن تارح ، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل ، وكان لوط قد نزح عن محلة عمه الخليل عليهما السلام بأمره وإذنه ، فنزل بمدينة سدوم من أرض غور زغر .
ولها أهل من أفجر الناس وأكفرهم وأسوئهم طوية ، وكانوا كذلك من أردأ الناس سريرة وسيرة ، يقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر ، ولا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون .
ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم ، وهي إتيان الذكران شهوة ، مخالفين بذلك فطرة الله التي فطر الناس عليها ، تاركين ما خلق الله لهم من النساء ، ولغرابة هذا الأمر وشذوذه ، اهتم به لوط عليه السلام ، وخصَّه القرآن بالذكر ، وإلا فإن لوطًا عليه السلام دعاهم بدعوة إخوانه من الأنبياء والمرسلين ألا وهي عبادة الله وتقواه ، واتباع منهج الرسول .
قال تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ(160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ(161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِين ) [ الشعراء : 160 – 164] .
ولكن قوم لوط وافقوا إخوانهم قوم نوح وقوم هود وقوم صالح في التكذيب بالرسل ، والانحراف عن منهج الله في العقيدة والسلوك ، وضموا إلى ذلك ما ابتدعوه من فاحشة ، لم يسبقهم إليها أحد من العالمين ، فجاءوا بأمر شاذ غريب ، لذا قال لهم نبيهم : ( … أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ(165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ) [ الشعراء : 165 ، 166] ، وقال : ( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ(54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) [ النمل : 54 ، 55] ، وقال ( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِين ) [ العنكبوت : 28] انظر كيف استنكر عليهم نبيهم هذا الأمر المستقبح الذي ابتدعوه ، وبئس ما ابتدعوا ، وقد وصفهم مع تلك الفاحشة بالإسراف ، وهو تجاوز الحدِّ في المعصية ، ووصفهم أيضًا بالعدوان والظلم ، ووصفهم بالجهل ، ووصفهم بالعمى ، وجميع هذه الأوصاف مقرونة بهذه الفاحشة المهينة مما يدل على قُبحِها ونفارة الطباع المستقيمة منها ، ومما لا شك فيه أن عمل قوم لوط من أفسد المعاصي والذنوب .
ويرى جمهور الأمة من أهل العلم بالتفسير والفقه أنه ليس في المعاصي أعظم مفسدة من هذه المفسدة ، وهي تلي مفسدة الكفر ، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل والزنى ، واستدلوا على ذلك بأمور :
· إن الله سبحانه وتعالى جعل حدَّ القاتل إلى خِيرَةِ الولي إن شاء قَتلَ ، وإن شاء عفا ، وجعل قتل اللوطي حدًّا حتمًا ، كما أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها .
· قتل المفعول به خير له من وطئه ، فإنه إذا وطئه قتله قتلاً لا ترجى الحياة معه ، قتل فيه روح الرجولة إلى الأبد ، وهو على كل حال مقتول ، أما قتله بالسيف فإنه قد يكون مظلومًا شهيدًا ينتفع به في آخرته .
· جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن وصحَّحه ابن حبان وغيره ، وإسناده على شرط البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لعن الله من عمل عمل قوم لوط ، لعن الله من عمل عمل قوم لوط ، لعن الله من عمل عمل قوم لوط ) .
ولم يأت هذا اللعن بهذا التأكيد إلا في هذه الفاحشة ، ولم يأت عنه صلى الله عليه وسلم لعن الزني ولا أصحاب الكبائر الأخرى هكذا ثلاث لعنات متتالية في حديث واحد ، نعم جاء اللعن لعدد من أهل الكبائر لكن لم يتجاوز بهم اللعن مرة واحدة .
· ق

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا