الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

هل كان الشوكانى زيديا

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

موضوع العدد ‏
هل كان الشوكاني زيديًّا ؟!‏
دراسة في المشرب العلمي للشوكاني
بقلم الشيخ / محمد عبد الحكيم القاضي باحث إسلامي

ليس من اليسير أن يُنسب رجلٌ إلى اتجاه عقائدي معين لمجرد بعض الملاحظات ‏على عصره وواقعه ، وإلا لكان ذلك تجنيًا على الرجل وافتئاتًا على مبادئه ، فإذا ‏تعلق الأمر بعالم من العلماء الذين وجهوا حركة الدعوة ، وأداروا دفة الحياة ‏العلمية ردحًا من الزمان ، فإن نسبته إلى اتجاه معين بدون التعمق في تراثه العلمي ‏وميراثه الفكري لا يُعتبر افتئاتًا على الرجل وحده ، ولكن افتئاتًا على التاريخ ‏والفكر وموازين البحث العلمي .‏
ولعل كثيرًا من العلماء وقادة الفكر قد واجهوا شيئًا من التصنيف الفكري الخاطئ ‏‏- إن صح التعبير – سواء من خصومهم السياسيين أو دسائس الوشاة ، أو نتيجة ‏لسوء فهم قارئيهم بعد وفاتهم ؛ فقد اتهم الشافعي بالرفض ، وكان هذا في زمانه ‏‏، واتهم أبو حنيفة بالإرجاء ، وصُنِّف العلامة السني أبو الحسن الأشعري في عداد ‏الجهمية الأشاعرة ، ونسب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى مذهب التشبيه ، وبدون ‏تمحيص ذهب أقوام يسمون أصحابه وأتباعه بالحشوية ، ولم يكن لشيء مما سبق ‏سند من الحق أو العلم ، إلا أثارات من أقوال مبتورة ، أو شواهد من وقائع ناقصة ‏‏، ولعله يكون لنا عودة إلى بعض ذلك إن شاء الله .‏
وممن حاولت أقلام الباحثين تصنيفهم فزجت بهم أحيانًا في اتجاه غير الذي تسنده ‏الأدلة والبراهين : الإمام اليمني العلامة الفقيه المفسر الأصولي أبو علي محمد بن علي الشوكاني ، صاحب ( فتح ‏القدير ) في التفسير ، و ( إرشاد الفحول ) في الأصول ، و ( نيل الأوطار ) ، و ( ‏السيل الجرار ) في الفقه ، وغيرها من الكتب التي تبين عن فَذَاذَة علمية ، وقيمة ‏فكرية لا تكرر كثيرًا ، فقد نسبه بعض الباحثين إلى فرقة الزيدية من الشيعة (1) ‏‏، وهي الفرقة التي حُكم باسمها اليمن قرونًا متطاولة من الزمان ، ونسبه بعضهم ‏إلى فرقة ( المعتزلة ) ، وهي الفرقة التي لها علاقتها الوثيقة بالزيدية ، ولما كان ‏بعض الباحثين – خصوصًا من أشرت إليه – ما يزال مُمارسًا للعلم ، وما يزال ‏يؤخذ عنه نتائجه ، رأيت أن أتوقف مع إطلالة مركزة موجزة عن مشرب منهجه ‏‏، وتصحيح نسبته ، إنصافًا للتاريخ الذي هو شاهد على ما تكتب الأقلام .‏
وإذا كانت البيئة الزيدية التي نشأ فيه الشوكاني ، والجو العلمي المحيط به يُبْدي ‏شيئًا من العُذر لمن يظن بداية أن الرجل زيدي ، فإن هذا العذر يرفع – بل يذوب – ‏حتى ينظر في مصنفات الشيخ نظرة متأنية ، لقد جعلت هذه النظرة العجلى أستاذًا ‏مختصصًا في التفسير يضع ( فتح القدير ) في مكتبته تحت لافتة ( تفاسير الزيدية ‏‏) ، وكتاب ( السيل الجرار ) تحت لافتة ( فقه الزيدية ) ، بينما يصرح د . أحمد ‏صبحي أنه زيدي المذهب – قبل وبعد اجتهاده وحتى وفاته .‏
ويمنتهى السذاجة يقرر أحد الناشرين في مقدمة كتاب ( الدراري المضية ) ‏للشوكاني أنه زيدي المذهب والعقيدة .‏
أقول : هذه البيئة الزيدية التي حفَّت الرجل لم تعد عذرًا لمن يطلع على تراثه ‏العلمي ، وإنما هي عذر للجاهل بهذا التراث ؛ فالعقيدة السلفية والمشرب السلفي ‏في الاجتهاد ، والطريقة السلفية في تلقي العلم ، والمنحى السلفي في فروع الفقه ، ‏هذه جميعًا واضحة كلَّ الوضوح في هذا الميزان العلمي الضخم ، وهناك بعض الأمثلة ‏منها :‏
‏1- نقول في كتاب ( فتح القدير ) – وهو تفسيره للقرآن – : تدل على أنه لم يهتم ‏إلا بتفسيرات السلف في كل المواضع ، ونادرًا ما كان يعزو للعترة على الرغم من ‏تقديره لهم ، وخذ مثالاً واحدًا وهو قوله في الآية : ( ثم استوى على العرش ) ‏‏[ الأعراف : 54] .‏
‏( قد اختلف العلماء في معنى هذا على أربعة عشر قولاً ، وأحقها وأولاها بالصواب ‏مذهب السلف الصالح : أنه استوى سبحانه – بلا كيف – على الوجه الذي يليق ‏به ، مع تنزهه عما لا يجوز عليه ) (2) .‏
‏2- ما يدعو إليه من طريقته في التعلم ، هي طريقة سلفية بحتة ، لا يشير فيها ‏أدنى إشارة إلى مذاهب الزيدية وكتبهم ؛ ففي كتاب ( أدب الطالب ) – الذي ‏يُعَدُّ منهاجًا علميًّا لطلبة العلم – يدعو المبتدئ إلى قراءة ( جامع الأصول ) ، و ‏‏( كنز العمال ) ، و ( منتقى الأخبار ) ، و(بلوغ المرام ) … إلخ .‏
وهي كتب سلفية سنية ، كما يدعو إلى سماع الكتب الستة في الحديث ، وأما الفقه ‏فما أنفع الإطلاع على المؤلفات البسيطة في حكاية مذاهب السلف وأهل المذاهب ؛ ‏كمؤلفات ابن المنذر ، وابن قدامة ، وابن حزم ، وابن تيمية .‏
ولا سيما مؤلفات أهل الإنصاف الذين لا يتعصبون لمذهب من المذاهب ، ولا يقصدون ‏إلا تقرير الحق وتبيين الصواب .‏
‏3- مخالفة الزيدية في أصولها وفروعها ؛ فلا يُقر من ذلك إلا النزر اليسير الذي ‏يدل عليه الدليل ، فهو – على كثرة ما صنف في مسائل الاعتقاد – لم نعثر له ‏على رسالة واحدة تشبه كلام الزيدية

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا