الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

هل كان ابن عربى سلطان العارفين ؟

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

هل كان ابن عربي سلطان العارفين
بقلم
محمد عبد اللَّه السمان

كتب الأخ الصديق الدكتور أحمد الشرباصي، الأستاذ بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر / مقالا فضفاضا، في عدد ديسمبر 1977 من مجلة الهلال، عنوانه: (ابن عربي سلطان العارفين) ولأول وهلة يلحظ القارئ في هذا العنوان المجرد ميل الكاتب إلى شخصية ابن عربي، فإذا انتهى من كتابة المقال، أحس بما لاحظه مع شيء من تحفظ الكاتب فيما كتب..
وإذا كان ما بدا من عنوان المقال هو أن الكاتب يهدف إلى كتابة ترجمة عن ابن عربي، إلا أن مقاله كان أميل إلى تقريظ ابن عربي أضعاف ميله إلى نقده، ولا يغيب عن ذهن المثقف العادي، ألا فرق بين الترجمة والتاريخ، بل إن أية ترجمة يجب أن تكون تاريخًا وليس شرطًا أن يكون أي تاريخ ترجمة، وما دام من المسلمات أن الترجمة تاريخ، فإن مقومات المؤرخ لا تقف عند حدود العلم والمعرفة وسعة الاطلاع، والقدرة على التحليل، بل لا بد من مراعاة النزاهة، والتجرد من الميل، ولا سيما إذا كان المترجم له شخصية قلقة كشخصية ابن عربي، وقد اعترف الكاتب في مقدمة مقاله بأن شخصية ابن عربي شخصية معقدة كل التعقيد، وله كثير من الأنصار وكثير من المعارضين..
ومع هذا فالكاتب في مقاله حاول جاهدًا أن يقدم للقراء شخصية ابن عربي في صورة مشرقة يقول: (ونحن نجد لابن عربي كلمات جوامع فيها عمق ودقة) ثم ساق أمثلة من هذه الكلمات التي لا تثير اعتراضا عليها، ونسي أن لابن عربي أضعاف هذه الكلمات تدينه بالزيغ والزندقة، ولم يذكر الكاتب منها شيئًا، ونحن لا ننكر أن هؤلاء المتصوفة كانوا على قدر من الذكاء، ولا سيما القلقون منهم، هؤلاء الذين ضمنوا أقوالهم أقوالا لا غبار عليها ليخدعوا بها السذج، ويستولوا بها على مشاعرهم..
والعجيب أن يقول الكاتب بأقوال الذين يزعمون أن الآراء التي تدين ابن عربي بالزندقة مدسوسة عليه، ومعنى هذا أن تفسيره الآثم في عدة مجلدات، وكذلك الفتوحات المكية وغيرهما مدسوس عليه، ويقول الكاتب: (إن الشعراني من أقوى المتحمسين في الدفاع عن ابن عربي) ونسي أن الشعراني من طينة ابن عربي، وتتلمذ إلى باطنيته، بل إن الشعراني نفسه كان يزعم في حياته أن بعض الحاقدين عليه قد دسوا في مخطوطاته ما هو برئ منه للوقيعة بينه وبين السلطات، مع أن السلطات كانت تدلله، وتعتبره- بما ينشر على الشعب من أفكار لتحذيره عن مظالمها- أكبر سند لها..
والعجيب أيضًا أن يقول الكاتب بعد ذلك:
(ولقد تكونت مكانة ابن عربي الصوفية في طول الرياضة والمجاهدة والصبر والتفكر والذكر، وإحسان الجلوس إلى الصالحين والرفقاء المتقين، مع اتخاذ الكتاب والسنة إمامًا للمهتدين، ولذلك نراه لا يطلب بالكتاب والسنة بديلا) ثم يستشهد الكاتب بأبيات لابن عربي تشهد له..
إذن فلم اتهم ابن عربي بالزندقة، وحاول الناس اغتياله في مصر، كما نقل الكاتب ذلك في دائرة المعارف الإسلامية..؟؟
هل ينكر الكاتب أن محيي الدين بن عربي صاحب نظرية وحدة الوجود، وأنه هو القائل في خطبة كتابه الآثم (الفتوحات المكية):
الرب حق والعبد حق يا ليت شعري من المكلف؟
إن قلت: عبد.. فذاك ميت أو قلت رب أنى يكلف؟
أليس هو القائل في ديوانه:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا..‌‍‍‍
لقد ظهر ابن عربي وابن الفارض في القرن السابع الهجري، فتغاليا في دعوى الاتحاد والحلول ووحدة الوجود- كما يقول الأستاذ عبد المتعال الصعيدى في كتابه القيم (المجددون في الإسلام) وكان للأول- ابن عربي- فيها كتب كثيرة وأشعار تربو على شعر من قبله فيها- أي في هذه النظريات الإلحادية- وكان للثانى فيها ديوان شعر كبير، فشغلا المسلمين بتلك الدعاوي عن الخطر المحدق بهم، وجعلوهم فريقين في شأنهما، وكل فريق لا هم له في دنياه إلا تأييد مذهبه فيهما، حتى صار هذا هو الشغل الشاغل للمسلمين في هذا القرن، وفي القرون التالية له..
ثم يقول: (وقد ازداد بهذا ضعف علماء المسلمين، وازداد بعدهم عن الاشتغال بما يفيد المسلمين منه.. فكانت أكبر مشكلة علمية عندهم في هذا القرن مشكلة التصوف الفلسفى الذي ذهب إليه محيي الدين بن عربي وابن الفارض، والخلط بين التصوف والفلسفة قديم قبلهما، ولكن جديدهما فيه: أنهما جمعا بينه وبين دعوى الولاية، وأخذا بقربانه إلى العامة، ويشطحان فيه شطحات توهم القوم بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود)..
ماذا يقول العلامة برهان الدين البقاعي المتوفى سنة 885هـ في مؤلفه: (تنبيه الغبى إلى تكفير ابن عربي، وتحذير العباد من أهل العناد) الذي حققه الشيخ عبد الرحمن الوكيل باسم (مصرع التصوف)؟:
ينبغى أن يعلم أولا: أن كلامه- أي ابن عربي- دائر على الوحدة المطلقة، وهي: أنه لا شيء سوى هذا العالم، وأن الإله أمر كلي لا وجود له إلا في ضمن جزئياته.. ثم أنه- أي ابن عربي- يسعى في إبطال الدين من أصله، بما يحل به عقائد أهله، بأن كل أحد على صراط مستقيم، وأن الوعيد لا يقع منه

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا