نفحات قرآن
بقلم / بخارى أحمد عبده
وجعلنا بعضكم لبعض فتنة – أتصبرون –
نفحات في موجات
مما استبان ، واستعلن أن للأصوات موجات ، وأن للأضواء موجات .
ولقد اهتمت البشرية بطبيعة الصوت ، والضوء ، فعرفت الأصداء ، وراقبت الأطياف ، ورصدت الموجات ، وحددت الذبذبات ، وقاست الأبعاد ، واقتبست ، واختزنت من مدهما ، واتجرت في فيضهما ، واتخذت ما عرفت طريقا إلى مزيد من معرفة .
وظني أن الصوت ، والضوء – وإن كانا قوام الوجود – لا ينفردان ببث الموجات ، وتنويع الذبذبات ، واختراق الحواجز ، وإجزال العطاء . فالملكوت يعج بموجات مختلفة عزيزة المنال ، وموجات أخرى قد تحس ، ولكنها لا تحد وأهم هذه الموجات موجات روحية ، موجهة ، تنتشر لطيفة ، وتحدد منازلها بصيرة . وتتخلل الأوصال حانية ثم تغذو ، وتبني ، وتجدد ما تلف من خلايا النفوس ، وقوى الأرواح .
وتظل تفرغ السكينة ، وتبعث القلوب ، وتثبت الأقدام ، وتعرج بالأرواح مزكاة رضية . . . تحس رياها [الريا : الريح الطيبة ، وكنه الشيء حقيقته وماهيته] . ، وتحار في كنهها . فليت شعري : –
أهي أكمام علوية تتفتق عن أرواح زكية طيبة النشر ؟
أهي من إشعاع رحمة الله التي وسعت كل شيء ؟
أهي من نفحات تجلي المولى على العباد حين يمضي ثلث الليل الأول ؟ [إشارة إلى الحديث الذي رواه مسلم : – (ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة ، حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول : ” أنا الملك أنا الملك ، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه ؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ” فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر) .
أهي عبير صلوات الذين يحملون العرش ، ومن حوله [إشارة إلى قول الله ]الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ][غافر 7 ، 8 ، 9] .
أهي من عوائد استغفار الملأ الأعلى للمؤمنين (إشارة إلى قوله تعالى [هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)[الأحزاب 43] .
أم هي ظلل السكينة تتنزل لما يرفع من قرآن – من كلم طيب بالليل وبالنهار [إشارة إلى الحديث المتفق عليه : – كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين ، فتغشته سحابة فجعلت تدنو و تدنو ، وجعل فرسه ينفر فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال ” تلك السكينة تنزلت بالقرآن “] .
هي على أي حال غيض من فيض البر الرحيم ، وقبس من نوره سبحانه ، ونعمة جُلّي ، كتلك النعم القرآنية التي تتماوج من حولك تنبه ، أو تطمئن ، أو توقظ ، أو تحول ، وتنتشل كلما استبد اليأس وتفاقم الخطب ، أو حملك الإحساس بالمرارة على الإباق كصاحب الحوت كتلك النعم التي رأيناها متمثلة في آيات الكتاب ، لكل آية في مقامها إشعاعات متميزة تنفذ إلى مكمن الداء ، وكلها تتلاقى متكاملة ، متآزرة ، مستغلظة ، مشكلة حبل الله الذي يعصم ويجمع ويؤلف ، والتجميع والتأليف من أسمى النعم التي مَنَّ بها المولى على عباده المؤمنين ( . . . وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا . . . . .) [ آل عمران 103] هل فطنت إلى أن الله قدم نعمة الإخاء على نعمة الإنقاذ والإنجاء ؟ ذلك تعظيما لشأنها ، وتنبيها إلى كونها القاعدة والأساس في بنية العلاقات الدينية ، والدنيوية في المجتمع الإسلامي .
أخوة وأخوة
والأخوة منبتها القلوب المفعمة بالحب . وعلى مثل هذه القلوب الخصبة الثابتة يشاد صرح الإيمان بكل طوابقه ومختلف شعبه ” [لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولن تؤمنوا حتى تحابوا . . .] .
والأخوة القائمة على علاقات ذهنية بحتة ، أخوة اسمية لا تتمالك أمام عواطف الأنوية والشهوات الخفية ، من رغبة في الاستئثار ، والجمع ، والإيعاء ، والتسلق ، وعشق الأضواء ، وحب الصدارة ، والظهور .
والعلاقات الروحية المتولدة من الأخوة الأولى تسري دفيئة زكية لتطبع بطابعها سائر العلاقات الإجتماعية فهي بحق كيد الشيطان ، وغيظ الأعداء ، فلا عجب إذا كان هم كل القوى المضادة المتحالفة تمزيق عرا الأخوة الأولى ، أ


