الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

نفحات قرآن

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

نفحات قرآن
بقلم بخاري أحمد عبده
( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي )

في معرض الحديث عن نقد الذات ، تتبعنا مواقف ، وسقنا شواهد ، تشى بتأصيل ظاهرة النقد الذاتي في الإسلام ، وتناولت فيما تناولت مفهوم كلمة (النقد) التي نشأت مرتبطة بالعملة ، والسلعة .
ولقد تقرر أن الدين المعاملة ، وكلمة (المعاملة) تتضمن فيما تتضمن ، التعامل مع الذات ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) .
والذات الإنسانية مستقر طباع ، ومستودع قيم ، منها : الجيد الذي يستمد بهاءه من الدين ، ومنها الردئ المعتم الذي يلفظه الدين ، وتنكره المعايير الإنسانية السامية .
والإسلام – بوصفه دين المعاملة – أطل إطلالة بصيرة على النفس الإنسانية ، ومستودعاتها ، وذلك على ضوء الأسس الربانية التي تتغلغل مشعة في الأعماق ، تكشف ، وتأسو ، وتشفي ، وتطهر ، وتميز الخبيث من الطيب ، والصالح من الفاسد .
فالمؤمن الذي يعيش في فسحة من دينه ، دائم النظر في النفس ، يرصد ذبذباتها ، ويختبر فجورها ، وتقواها ، إعمالاً لقول الله : ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) .
والنقد الذاتي وليد تلك الإطلالة البصيرة على النفس وما تنضح به ، هو : أن تبصر في ذاتك ، مقومًا درجة نقائها ، منقبًا ، كاشفًا عنها ما عراها من غبرة أو من صدأ ، وران .
وعملية الغور ، والتنقيب ، والكشف ، عسيرة ، وعرة المسالك ، دونها عواصف ، وعوائق .
ذلك لأن الإنسان أسير عاطفة حيوية غلابة تسمى عاطفة (اعتبار الذات) .
وهذه العاطفة كثيرًا ما تجور حتى يغدو المبتلى بها كلفا بنفسه ، عاشقًا لذاته ، مختالاً ، فخورًا ، ناسيًا أنه يحمل من طبيعة الحمأ المسنون .
نسى الطين مرة أنه طين
حقير فصال تيها وعربد
وكسا الخز جسمه فتباهى
وحوى المال كيسه فتمرد
ناسيا أنه أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا .
ولهذه العاطفة روافد تغذوها بالقيح ، والدم ، وتذكي نارها حتى تغدو حجابًا ناريًا ، يحجب العاطفة الهادرة ، وتعشى باصرتي صاحبها ، فلا يستطيع أن ينظر ، أو ينقد ، كيف وهو لا يرى إلا حجابًا من دخان ، وساترًا من نار ساطعًا كلهب الأكسوجين .
والإسلام من عظمته ، أنه يشخص أدواء النفس ، ويصف الأشفية ، ولا يهمل أبدًا ما وراء الأدواء من أشياء تغرى العلة حتى تستفحل ، وتتأبى على كل دواء ، كذلك لا يهمل الآثار الناجمة عن الداء ، لأن ولائد الداء – فوق أنها تؤازر الداء حتى يستغلظ – فيها حقيقة الداء ، وخطورته . فالإسلام كما يستنكر الاستغراق في الذات ، والتقوقع الخانق في النفس ، يحارب ظواهر مرضية أخرى تتولد من العلة ، وتتكاثر حولها متأثرة بها ، مؤثرة فيها . ومن هنا اهتم الإسلام بالتربية التي تمنع تكون العقد النفسية ، والتي تكفل الصحة النفسية ، وأمر بالعناية المبكرة بالطفل عناية مادية ، ومعنوية ، ولعل سنة التأذين في أذن الوليد ترمز إلى العناية المعنوية المبكرة بالطفل . روى أبو داود عن أبي رافع قال : (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته أمه فاطمة بالصلاة ) .
ومن هنا أيضًا حارب الإسلام الإنهزامية ، والانطوائية ، والتواكل ، والأثرة ، والمراءاة ، وحب الظهور ، والأنوية ، والتسميع … إلخ لأنها تشى بالجبن ، وتغرى بالتظاهر الكاذب
وإذا ما خلا الجبان بأرض
طلب الطعن وحده ، والنزالا
إن المنطوى في مثل هذه الأدواء ، المتجرع – حتى الثمالة – من عاطفة اعتبار الذات ، يرفض كل نقد ، ولا يهوى إلا أن يحمد بما لم يفعل . ( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) آل عمران .
وظني أن العذاب الأول عذاب الدنيا ، عذاب الإنطواء في العلل ، والتسربل بالدرن وعدم التكيف مع المجتمع ، وعدم الانتفاع بهدى الهادين ، ونصح الناصحين .
( فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ )
ويكفينا – في مقام تحقيق متابعة الإسلام للعلة ، وشوائبها – أن ننظر في آيتين كريمتين تلاحقان داء النفخة ، والورم الذي لا يفشه غير التمسح والنفاق ، والمديح الموصول .
هذا الورم الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرض الحديث عن رفع الأمانة : روى حذيفة رضي الله عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رفع الأمانة قال : (ينام الرجل النومة (1) فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل الوكت (2) ، ثم ينام النومة ، فتقبض فيبقى أثرها مثل أثر المجل (3) ، كجمر دحرجته على رجلك ، فنفط (4) ، فتراه منتبرًا (5) ، وليس فيه شئ ، ويصبح الناس يتبايعون ، ولا يكاد أحد يؤدى الأمانة ، فيقال : إن في بني فلان رجلاً أمينًا ، ويقال للرجل : ما أعقله ، وما أظرفه ، وما أجلده ، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ) متفق عليه .
ومثل هذا الورم لا

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا