الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

نظرات فى أمثال القرآن

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

نظرات في أمثال القرآن
{وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ }
كتبه الدكتور : سمير تقي الدين أحمد

أُقدم بين يدي هذه السلسلة المباركة لأمثال القرآن الكريم بما قاله الإمام الراغب الأصفهاني في مقدمة تفسيره : إن أشرف صناعة يتعاطها الإنسان ؛ تفسير القرآن .. وذلك لأن الصناعات الحقيقية إنما تشرف بأحد ثلاثة أشياء :
إما بشرف (( موضوعاتها )) نحو أن يقال : الصياغة أشرف من الدباغة ؛ لأن موضوعها وهو الذهب والفضة أشرف من جلد الميتة الذي هو موضوع الدباغة .
وإما بشرف (( صدرها )) نحو أن يقال : طبع السيوف أشرف من طبع القيود .
وإما بشرف (( أغراضها )) نحو أن يقال : صناعة الطب وغرضها إفادة الصحة أشرف من الكناسة وغرضها تنظيف المستراح !
فإذا ثبت ذلك ، فصناعة التفسير قد حصل لها الشرف من الجهات الثلاث ، وهو أن (( موضوع )) التفسير : كلام اللَّه تعالى الذي هو ينبوع كل حكمة ومعدن كل فضيلة ، (( وصورة فعله )) : إظهار خفيات ما أودعه مُنزِله من أسراره ليدّبروا آياته وليتذكـــر أولو الألباب ، و(( غرضه )) التمسك بالعروة الوثقـى التـي لا انفصـــام لهــــــــا ،
والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا فناء لها ، ولهذا عظم اللَّه محل قبوله بقوله : { يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } [ البقرة : 269 ] قيل : هو تفسير القرآن . اهـ .
ونحن نحاول – بحول اللَّه وقوته – أن نعقل ما تحويه الأمثال القرآنية من معان وأسرار ؛ لغوية ، وعلمية، ونفسية، وتربوية، وأخلاقية .. وإننا لنأمل في اللَّه جل وعلا أن نكون ضمن من شملتهم الآية الكريمة : { وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَـــا إِلاَّ الْعَالِمُونَ } [ العنكبوت : 43 ] ، ونتأسى بقول أحد السلف : إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي ؛ لأن اللَّه قال : { وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ } .
قال الزمخشري في (( الكشاف )) : ولضرب العرب الأمثال ، واستحضار العلماء المُثُل والنظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خبيَّات المعاني ، ورفع الأستار عن الحقائق ، حتى تريك المتخيل في صورة المحقق ، والمتوهَّم في معرض المتيقن ، والغائب كأنه مشاهد ، وفيه تبكيت للخصم الألدّ ، وقمع لثورة الجامح الأبي ، ولأمر ما ، أكثر اللَّه في كتابه المبين أمثاله ، وفشت في كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكلام الأنبياء والحكماء . اهـ .
وقال بعضهم : قد استعير المثل للحال ، أو القصة ، أو الصفة ، إذا كان لها شأن وفيها غرابة ، كأنه قيل : حالهم العجيبة الشأن كحال { الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا } [ البقرة : 17 ] ، وكذلك قوله : { مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } [ الرعد : 35 ] ؛ أي فيما قصصنا عليك من العجائب ، قصة الجنة العجيبة الشأن ، وكذلك قوله : { وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ } [ النمل : 60 ] ؛ أي الوصف الذي له شأن من العظمة والجلال : { مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ } [ الفتح : 29 ] ؛ أي صفتهم وشأنهم المتعجب منه .
قوله تعالى : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ @ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [ البقرة : 16، 17 ] .
قال القاسمي في (( محاسن التأويل )) ( الجزء الأول ص53 ) : ولما جاء بحقيقة صفتهم – أي المنافقين – عقبها بضرب المثل ، زيادة في الكشف وتتميمًا للبيان ، فقال تعالى : { مَثَلُهُمْ } ؛ أي مثالهم في نفاقهم وحالهم فيه : { كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ } أي أوقد { نَارًا } ، في ظلمة : { فَلَمَّا أَضَاءتْ } ؛ أي أنارت { مَا حَوْلَهُ } فأبصر واستدفأ وأمن { ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ } ؛ أي أطفأ نارهم – التي هي مدار نورهم – فبقوا في ظلمة وبرد وخوف ! { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } ما حولهم ، متحيرين ، خائفين . اهـ .
قُلْتُ : فكذلك هؤلاء ، استضاءوا قليلاً بالانتفاع بالكلمة المجراة على ألسنتهم ، حيث أمنوا على أنفسهم في مجتمع المؤمنين ، ثم وراء استضاءتهم بنور هذه الكلمة ، ظلمة النفاق ، التي ترمي بهم إلى ظلمة سخط اللَّه وظلمة العقاب السرمد والمرار : أنهم انتفعوا بهذه الكلمة مدة حياتهم القليلة ، ثم قطعه اللَّه بالموت !!
قال الرازي : والتشبيه هاهنا في غاية الصحة ؛ لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولاً نورًا ، ثم بنفاقهم ثانيـًا أبطلوا ذلك ، فوقعوا في حيرة عظيمة ؛ لأنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين . اهـ .
يقول صاحب (( الظلال )) ، رحمه اللَّه ، ( الجزء الأول ص46) : إنهم لم يعرضوا عن الهدى ابتداءً ولم يصمّوا آذانهم عن السماع ، وعيونهم عن الرؤية ، وقلوبهم عن الإدراك ، كما صنع الذين كفروا ، لكنهم استحبوا العمى عل

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا