موازنة بين شريعة اللَّه وقوانين الناس
بقلم الأستاذ / عبد الرحيم عرنوس المحامي
سكرتير عام الجماعة
مقدمة :
لا غرو أن تكون (( مجلة التوحيد )) مرآة جماعة أنصار السنة المحمدية جسر بين ما هو كائن وما يجب أن يكون ، رائدها في ذلك كتاب اللَّه وسنة خاتم الرسل واضعة نصب عينيها قوله عليه الصلاة والسلام : (( لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها )) . على أمل أن يأتي اليوم الذي تعود فيه الأمة الإسلامية – إلى سابق عهدها – إيمانًا وقوة ، وعزة وسطوة ، يرهبها أهل البغي والإلحاد ، تتضاءل أمامها قوى الظلم والعدوان في هذا العالم بما فيها تلك الفئة التي كتب اللَّه عليها الذلة والمسكنة ، والتي استأسدت عندما غرق عامة المسلمين واكتسحهم طوفان الحضارة الزائفة والمدنية الفاجرة فنسوا اللَّه وهجروا كتابه فحق عليهم قول اللَّه تعالى : { وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } .
وعمدتنا في هذا الحديث كتاب اللَّه وسنة خاتم الرسل عليه أفضل الصلاة والسلام ، وأقوال وأفعال الصحابة والتابعين رضي اللَّه عنهم وأرضاهم وباللَّه العون والتوفيق .
ويناسب هذا المقام أن نورد بعض الأصول التي ترتبط بالموضوع ارتباطًا وثيقًا لازمة له لزوم المقدمات للنتائج وترتكز على الركائز التالية :
أولاً – أن اللَّه سبحانه وتعالى جعل لك داء دواء – يعترض الإنسانية والإنسان في مختلف المراحل وكيف لا وهو خالقه وبارئه لقوله عز وجل : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } ، وأن هذا الدواء الإلهي لا بديل له بدواء آخر مهما برع نطس الأطباء وأحكم الحكماء من البشر في وصفه .
ثانيًا : – أن الهدف من التنزيل والرسالة المحمدة – في مداهما القريب والبعيد عن تكوين اللبنة الصالحة السليمة التي يتكون منها المجتمع وهو – الإنسان – لتحريره من العبودية في أي صورة من صورها وتحت أي مسمى لها ، لينطلق بلا قيد إلا ما أمر اللَّه به وما نهى عنه – وفي حدود ذلك لا رقيب عليه سوى إيمانه وضميره – بعد اللَّه سبحانه وتعالى – ولا توجد أي رقابة مهما قويت أو اشتدت من صنع البشر تستطيع أن تؤدي إلى ذات النتائج التي تقوم بها الرقابة الذاتية للشخص المسلم حقًا والمؤمن صدقًا .
ثالثًا – منذ أن تم البلاغ واكتمل التنزيل أصبح الإسلام بناء متكاملاً لا قصور فيه ولا تقصير ولا خلل ولا اختلال ، وحدة متماسكة مترابطة ، ولا حجة للناس بعد ذلك – وعلى هذا فإن أي لبنة في المجتمع من الفرد إلى الأسرة فما فوقها لا تملك إلا أن تطبقه ككل وبصورته التي نزل بها – وأصبح فرض على المسلم أن يلتزم به ، ليس التزامًا جزئيًا بأعمال بعضه وإهمال البعض الآخر ، وإما وجب عليه الالتزام بكامل أحكامه – قرآنًا وحديثًا صحيحًا يكمل كل منهما الآخر في تجانس رائع وتوازن دقيق .
رابعًا – لم يقتصر الإسلام على الاهتمام بجانب دون آخر – بخلاف الشرائع السابقة أو المذاهب المستحدثة – بل عم شموله كل جوانب الإنسان والبشرية والمجتمع ونظم الجوانب الروحية والمادية ، عقيدة وشريعة وعبادة ومعاملات وتصرفات وبين لكل حدود لا يتعداها – وكان المجتمع الإسلامي في صدر الإسلام صورة نموذجية مثالية – عندما جعل القرآن والحديث دستوره ، ومهما أوتي أولو البراعة في الوصف أو ذوو الخيال عفما هم بمستطيعين أن يصفوا الصورة التي كان عليها المجتمع في ذلك الوقت ، ويكفينا انبهارًا عندما نستحضر شذرات من عدل عمر بن الخطاب ، أو حكمة أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنهما وأرضاهما ، أو انتصار بضع مئات من المؤمنين الذين عاهدوا اللَّه ، على جحافل أعتى الجيوش والقضاء على امبراطوريتين ، فارس والروم .
وليس عجيبًا أن تكون تلك الثمار نتيجة للتمسك بدين اللَّه وتطبيقه التزامًا بقوله جل شأنه : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } ، وهكذا نصروا اللَّه فنصرهم اللَّه تحقيقًا لوعده سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } .
خامسًا : إن الإسلام خاتم الرسالات ، جب ما قبله من شرائع وأيدان حجة على الناس كافة من يوم أن نزل على سيد الخلق وخاتم الرسل إلى يوم الدين ، وقد قطع اللَّه سبحانه وتعالى في ذلك بقوله : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } ..
كما هيأ اللَّه سبحانه وتعالى قلوب المؤمنين لذلك فاتبعوه وعزروه ونصروه واتبعوا هداه – أولئك هم المفلحون – وصرف قلوب الكافرين والمعاندين عن اتباعه فاستحقوا الذلة والمهانة والمسكنة والفقر في الدنيا وفي الآخرة عذاب شديد : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَر


