من يضغط على من ؟!
بقلم : جلال دويدار
رئيس تحرير جريدة الأخبار
تذكرت ما قاله الدكتور أسامة الباز مستشار الرئيس مبارك للشئون السياسية في ندوة التليفزيون – عقدت الأسبوع الماضي – وأنا أتابع على شاشة التليفزيون أيضًًا ما ارتسم على وجه الرئيس الأمريكي كلينتون عندما ظهر مع نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل أثناء لقائهما في البيت الأبيض ، بدأ كلينتون رئيس أكبر دولة في العالم مهمومًا يسيطر عليه إحساس بالمرارة والإحباط والهزيمة والفشل والغيظ لعدم القدرة على التعبير عما يجيش بصدره في مواجهة تعالي نتنياهو واستفزازاته .
لقد جاء فيما قاله الدكتور الباز : إنه ليس متوقعًا أن يمارس كلينتون ضغوطًا على إسرائيل ، ولكن الصحيح هو أن إسرائيل هي التي ستمارس الضغوط عليه بعد أن تخلت عن دور الشريك المحايد في عملية السلام لصالح وجهة النظر الإسرائيلية .
إن نتنياهو الرافض للسلام العادل والشامل وللقرارات والاتفاقيات الدولية ، يعتمد ويستند على مساندة وتأييد اللوبي اليهودي الذي يسيطر على مقدرات الحياة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية ، لقد وصف الكاتبان الأمريكيان الشهيران إيفانز ونوفاك في مقال مشترك الحالة التي وصلت إليها إدارة كلينتون في مواجهة إسرائيل – نتنياهو بأنها أصبحت محكومة بعوامل السياسية الداخلية ، ذكرًا – كما جاء في مقال الزميلة مها عبد الفتاح (من وراء البحار) – : إنه لا وزيرة الخارجية (أولبرايت) ولا مستشار الأمن القومي (ساند بيرجر) لهما دراية بما يجري في الشرق الأوسط ، وأن كليهما من خريجي السياسية الحزبية ، وهو ما يعني دون الإشارة إلى ذلك صراحة الاستسلام لضغوط اللوبي اليهودي ، تستند هذه السياسة الحزبية إلى مراعاة المنافسة مع الحزب الجمهوري على الصوت اليهودي في الانتخابات ، دون أي اعتبار للمصالح الأمريكية أو المبادئ والحرية وحقوق الإنسان والعدالة والشرعية الدولية التي ظلت الولايات المتحدة ترفع شعاراتها على مدى تاريخها وحتى الآن .
إن الأمريكيين ليسوا وحدهم الذين بدءوا يَضِيقون بالموقف الأمريكي المتخاذل ، بل إن الإسرائيليين العقلاء يستشعرون هم أيضًا خطر هذا الوضع على استقرار وأمن إسرائيل ، عَبَّر عن هذه الحقيقة (يوسي سريد) عضو الكنيست الإسرائيلي ورئيس حركة ميرتس عندما وصف الإدارة الأمريكية بالضعف والوهن في معالجتها للأزمة التي تتعرض لها عملية صنع السلام في الشرق الأوسط لتفادي حدوث مواجهة عنيفة في المنطقة .
لا يمكن وصف ما يحدث سوى إنه إصرار على إذلال دول القطب الأعظم في العالم وإظهارها في صورة الدولة العاجزة أمام نفوذ إسرائيل ومن ورائها اللوبي اليهودي ، هذه السيطرة اليهودية الإسرائيلية على مفاتيح القرار في واشنطن ، أصابت الإدارة الأمريكية بالبلادة وعدم القدرة على الاستنكار أو التصدي لأعمال القمع ، والقتل التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل البطل ، الذي يناضل من أجل الحصول على حقوقه المشروعة .
من المؤكد أن هذه الإدارة الأمريكية تشعر بخطأ سياستها ، وأنها دافع طبيعي لثورة الشعوب العربية والإسلامية التي يثيرها الموقف الأمريكي العاجز عن الحد من جموح السلوك الإسرائيلي الأهوج ، ترتب على هذا الوضع مطالبة واشنطن لأفراد قواتها بدول الخليج ضرورة مراعاة الحذر في تحركاتها ووجودها بالأماكن العامة تجنبًا لأي عمليات انتقامية .
وسط هذه النيران المشتعلة في الأرض المحتلة يصر نتنياهو على كذبه وتضليله المرفوض دوليًّا بادعاء أن العنف سبب المشكلة ، بينما يجمع كل العالم على أن انفجار الموقف يرجع إلى سياسية الاستيطان وبناء مستوطنة أبي غنيم بالقدس العربية .
وفي محاولة خبيثة مرفوضة – تدخل في إطار المناورات والمماطلات وتضييع الوقت – يواصل نتنياهو وضع الشروط المعطلة لمسيرة السلام مطالبًا بوقف أعمال العنف (ثورة الحجارة) التي ولا شك تستنفد قوى إسرئيل ، يدخل ضمن هذه المحاولات أيضًا اقتراح الدخول في مفاوضات المرحلة النهائية ، بما يعني إقرار الأمر الواقع الذي يحاول فرضه بعد تنفيذ المراحل السابقة بإعادة الانتشار وامتداد السلطة الفلسطينية إلى باقي الأراضي المحتلة .
لم يعد خافيًا أن الهدف من رواء كل هذا هو الإصرار على تنفيذ مخططه الذي أعلن عنه منذ البداية ألا وهو إلغاء اتفاقات أوسلو وصيغة مدريد ، وهو مطلب مرفوض فلسطينيًّا وعربيًّا ودوليًّا .
نقلاً عن جريدة الأخبار 3 ذو الحجة 1417 هـ


