الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

من روائع الماضى : حول ذكرى الهجرة

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

من روائع الماضي
حول ذكرى الهجرة
فضيلة الشيخ / محمد خليل هراس ( رحمه الله )‏

كلما أهل هلال المحرم من كل عام وبزغت في الكون غرته الميمونة عاودت نفوس ‏المسلمين تلك الذكرى الخالدة على الزمن ، ذكرى هجرة الرسول الكريم صلوات الله ‏وسلامه عليه هو وأصحابه من مكة إلى المدينة ، ومثلت في خواطرهم تلك الصورة ‏الحية والمشرقة التي حفظها التاريخ لهذا الحادث العظيم ، وما احتوته تلك ‏الصورة من ألوان البطولة الرائعة والشجاعة الحقة والتضحية الباهرة التي تجلت ‏في أعمال أولئك النفر من المهاجرين حين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون ‏فضلاً من الله ورضوانًا وينصرون الله ورسوله .‏
وليس عجيبًا أن يكون لحادث الهجرة تلك الأهمية الخاصة التي امتاز بها على ‏غيره من أحداث الإسلام الكبرى حتى اختير من بينها ليكون مبدأ للتاريخ ‏الإسلامي ، فإن ما تضمنه هذا الحادث من العبر والعظات ، وما تجلى فيه من ‏معاني الرجولة والثبات وكريم التضحيات وما اكتنفه من الظروف والملابسات ، ‏وما ترتب عليه من جلائل الآثار وعظيم الأخطار ، كل ذلك جدير أن يجعله في ‏الطليعة بين الأحداث العالمية الكبرى التي غيرت وجه التاريخ ، وحولت مجرى ‏الحياة البشرية ، ودرسًا خالدًا ينتفع به المسلم وغير المسلم ، وعبرة ماثلة في جميع ‏الأجيال والعصور يتأسى بها كل من يتصدون للدعوة إلى الإصلاح حتى يصلوا ‏بأممهم إلى ما يبغون لها من خير وفلاح .‏
إننا لا نستطيع أن نقدر تلك الهجرة قدرها إلا إذا صورنا لأنفسنا ما كانت تعانيه ‏دعوة الحق في مكة من بطش الباطل ومكره ، فقد ضيق عليها الخناق ، وحال بينها ‏وبين أن تبلغ القلوب والأسماع ، فكانت هي السبيل لخلاص الحق من أسر الباطل ‏وخروجه إلى ذلك المتنفس الذي استطاع أن ينساب منه إلى أنحاء الدنيا الكافرة ‏الحائرة ، فينقذها من ضلالها ، ويرشدها من حيرتها ، ويرسم لها طريق السعادة ‏والنجاة .‏
كانت الهجرة مرحلة حاسمة من مراحل الدعوة الإسلامية ، أو بالأحرى كانت ‏فاصلاً بين عهدين متمايزين غاية التمايز ؛ عهد كان فيه المسلمون بمكة قليلاً ‏مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس ، كانوا يُؤذون فيصبرون ، ‏ويُظلمون فيغفرون ، وكان بعضهم إذا اشتد به الأذى ولم يطق صبرًا على ظلم قومه ‏له خرج إلى الحبشة مهاجرًا ، ولم يكن المسلمون في هذه الفترة من القوة والكثرة ‏بحيث يستطيعون أن يقابلوا العدوان بمثله ، وكان منهم من يود لو أذن له في ‏القتال ، ولكن القرآن ينزل آمرًا لهم بالعفو والصفح ، حتى يأتي الله بأمره ، فلما ‏كانت الهجرة انبثق فجر عهد جديد ، ووجد المهاجرون في مهاجرهم الجديد ‏مراغمًا كثيرًا وسعة ؛ إخوانًا من الأنصار ذوي عدة ومنعة ، فقويت بذلك شوكة ‏الإسلام ، وأصبح مستعدًا لمنازلة الشرك ومجالدته بالسيف ، فما أن التقى به في ‏غزوة بدر الكبرى حتى ضربه تلك الضربة الهائلة التي أذلته وأطاحت بكثير من ‏رءوسه ، ثم كانت غزوات أخرى انتهت بذلك الفتح المبين والنصر المؤزر ، ودخل ‏الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مكة البلد الحرام يعلن نهاية الشرك ويقرأ : ( ‏جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) [ الإسراء : 81] ، ثم بدأت وفود ‏القبائل بعد ذلك تفد من أنحاء الجزيرة تعلن إسلامها وانضواءها تحت لواء الدعوة ‏الجديدة ، وكانت الهجرة هي الباب الذي دخل منه المسلمون إلى حياة العز ‏والكرامة والحرية والقوة .‏
إن الناظر المتأمل في حادث الهجرة العظيم ليجد فيه من العبر ومن كريم المعاني ما ‏يجب أن يكون أسوة حسنة للمسلمين ، ودرسًا ماثلاً في أذهانهم يتعلمون منه كيف ‏يكون الثبات على دعوة الحق مهما اشتدت الفتنة وعظمت المحنة ، فلقد أُوذي ‏المسلمون بمكة وزلزلوا زلزالاً شديدًا ، وأجلبت عليهم قريش بخيلها ورجلها ، ‏وسلكت كل سبيل لفتنتهم وردهم عن دينهم ، فلم تر منهم إلا الثبات الذي لا ‏يعرف التردد والعزيمة التي لا تقبل النكوص ، حتى مات بعضهم تحت سياط ‏العذاب ، فما جزعوا لذلك ، ولا حملهم على الرجوع عن معتقدهم ، ولما أُمروا ‏بالهجرة وفيها ما فيها من فراق الأهل والولد والمال والعشيرة والديار الحبيبة ، ‏وكلها أمور تضن بها النفس وتحرص عليها حرصها على الحياة لم يقعدهم ذلك عن ‏الهجرة ولا صرفهم عن تنفيذ ما أُمروا به ، بل آثروا حب الله ورسوله والجهاد في ‏سبيله على كل ما هناك من رغبات النفوس وعلائقها ، حتى لقد كان الواحد منهم ‏يتعرض له ابنه أو أبوه أو زوجته يريدون تثبيطه عن الهجرة فلا يلتفت إليهم ولا ‏يأبه لتوسلاتهم .‏
ولا ننسى – ونحن نتكلم عن الهجرة – ذلك الموقف الرائع الذي وقفه الأنصار من ‏إخوانهم المهاجرين ، فقد آووهم وواسوهم وأكرموا وفادتهم ، وآثروهم على ‏أنفسهم مع ما بهم من خصاصة ، حتى أزالوا من نفوسهم ألم الاغتراب ، ‏وأشعروهم أنهم في ديارهم وبين أهليهم .‏
فهل آن للمسلمين أن يحسنوا الاقتداء بأسلافه

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا