باب السنة
بقلم الرئيس العام / محمد صفوت نور الدين
من أحكام البيع – الحلقة الأخيرة –
أخرج البخاري في ( صحيحه ) عن حكيم بن حزام ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا – أو قال : حتى يتفرقا – فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) .
وعن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن المتبايعين كل واحد منهما بالخيار في بيعهما على صحابه ما لم يتفرقا أو يكون البيع خيارًا ) .
وفي رواية : ( إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكان جميعًا ، أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك ، فقد وجب البيع ، وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع ) .
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وسلم ، وبعد : فنكمل حديثنا عن أحكام البيع ، فنقول وبالله تعالى التوفيق :
الزيادة في المبيع أو الثمن :
يجوز للمشتري أن يزيد في الثمن بعد العقد ، وكذلك يجوز للبائع أن يزيد في المبيع بعد العقد على أن يقترن ذلك بقبول الطرف الآخر في مجلس الزيادة ، لا فرق فيما لو كانت الزيادة بعد التقابض أو قبله ، أو كانت من جنس المبيع أو الثمن أو من غير جنسه ، مع ملاحظة ألا تكون هذه الزيادة مقصود بها إضاعة حق الغير ؛ مثل الشفيع الذي يأخذ المباع بحق الشفعة .
مصاريف التسليم :
اتفق الفقهاء على أن أجرة الكيال أو الوزان أو الذراع (1) أو العداد تكون على البائع ، وكذلك مئونة إحضار المبيع إلى مكان العقد إذا كان غائبًا ، إذ لا يحصل الوفاء إلا بذلك ، كل ذلك في المبيع ، أما إن كان الثمن يكال أو يُوزن أو يقاس أو يُعد فمئونة ذلك على المشتري .
البيع الجبري :
هو أن يكون على الرجل دين ، وله عين لا يريد بيعها لسداد دينه ، فيجبره السلطان على البيع وفاءً لدينه ، فإن أصر على الامتناع قضى الحاكم الدين من ماله إن كان من جنس الدين الذي عليه وباع الإمام ماله جبرًا نيابة عنه إن كان من غير جنسه ، وكذلك في المرهون إذا حل أجل الدين وامتنع المدين عن الأداء .
الاحتكار : وهو شراء القوت ، وحبسه لبيعه وقت الغلاء تضييقًا على الناس ، ويطلق الاحتكار فيما إذا كان المحتكَر طعامًا ، وأن يكون ملكه للمحتكر بطريق الشراء ليس الزرع ولا الجلب ، وأن يحبسه بقصد الغلاء على الناس ، وأن يترتب على ذلك الإضرار بهم والتضييق عليهم ، ويكون ذلك بالشراء وقت الغلاء انتظارًا لزيادة الغلاء على الناس .
هذا ، فإذا وقعت الشدة بأهل بلد أُمر أهل الطعام بإخراجه ، سواء كان من جلب أو زراعةٍ رعايةً لمصالح العباد ، وإن لم يسم عمل المجبرين على البيع هنا احتكارًا ، فكل متصرف في سلعة وحده يبيع كيف شاء ، بحيث يضيق على العباد ، يؤخذ على يديه ليبيع بثمن المثل .
يفهم من ذلك أن الاحتكار المحرم هو ما كان :
1- في القوت .
2- سبيل الحصول عليه هو الشراء من سوق المسلمين .
3- أن يكون ذلك وقت الغلاء .
4- أن ينتظر به شدة الغلاء فيحبسه عن البيع حتى يشتد الغلاء .
أما إن وقعت شدة بالمسلمين فإن السلطان يأمر أصحاب الأقوات وكل ما تعلقت به حاجة المسلمين أن يبيعوها ، بل ويجبرهم على ذلك رعاية لصالح الناس جميعًا .
ضع وتعجل : وهي أن يكون للرجل على الآخر دين إلى أجل فيطلب منه دينه قبل موعده ويسقط عنه بعضه ، أجازه ابن عباس وزفر ، ومنعه جماعة من الصحابة ؛ منهم ابن عمر ، ومنعه مالك وأبو حنيفة وجماعة من فقهاء الأمصار .
وعمدة من لم يجز – ( ضع وتعجل ) – أنه شبيه بالزيادة مع التأجيل المجمع على تحريمها ، ووجه شبهه بها أنه جعل للزمان مقدارًا من الثمن في الموضعين جميعًا ، وذلك أن هناك لما زاد له في الزمان زاد له عوضه ثمنًا ، وهنا لما حط عنه الزمان حط عنه مقابله ثمنًا .
وعمدة المجيزين حديث ابن عباس ، حيث قال لبني النضير لما أرادوا الخروج ولهم ديون على الناس : ( ضعوا وتعجلوا ) (1) .
يقوم الشيك مقام القبض
من قرارات المجمع الفقهي بمكة في رجب 1409 هـ بشأن قيام الشيك والقيد في دفاتر المصرف مقام القبض :
أولاً : يقوم استلام الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقد بالتحويل في المصارف .
ثانيًا : يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى ، سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه . اهـ .
الصدق والبيان وأثرهما :
في الحديث : ( فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ) ، وفي حديث البخاري عن جابر ، رضي الله عنه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع ، سمحًا إذا اشترى ، وإذا اقتضى ) .
وفي حديث عثمان عند النسائي مرفوعًا : ( أدخل الله رجلاً الجنة كان سهلاً مشتري


