باب السنة
بقلم الرئيس العام / محمد صفوت نور الدين
من أحكام البيع – الحلقة الثالثة –
أخرج البخاري في ( صحيحه ) عن حكيم بن حزام ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا – أو قال : حتى يتفرقا – فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) .
وعن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن المتبايعين كل واحد منهما بالخيار في بيعهما على صاحبه ما لم يتفرقا أو يكون البيع خيارًا ) .
وفي رواية : ( إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكان جميعًا ، أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك ، فقد وجب البيع ، وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع ) .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعد : نكمل حديثنا عن أحكام البيع ، فنقول وبالله تعالى التوفيق :
الملامسة : بيع ثوب يلمسه دون نشره ، وتبيين ما فيه نوعًا ومقدارًا ، أو بيع غير الثوب دون تفقد وتعرف على العيوب والميزات والأصناف إذا كان مما يحتاج فيه لذلك .
المنابذة : نبذ الرجل بثوبه لرجل ، ويكون ذلك بيعًا من غير نظر ، وفيها الجهالة المفضية للخصام والشجار ، فلابد من العلم بالسلعة والرضا .
بيع الحصاة : وهو أن يرمي بحصاة فما وقعت عليه تم عليه العقد ، ويحرم للجهالة ، ولها صور معاصرة تقام في بعض الأسواق والموالد الشركية المبتدعة ، وكله بيع حرام .
الثنايا : أن يقول : بعتك هذه الشجرة إلا بعضها ، أو قطيع الغنم إلا عشرة غير معينة ، واستثناء المعلوم من المجهول يصير الباقي مجهولاً والعكس .
حبل الحبلة : أن تنتج الناقة ما في بطنها ، ثم تحمل التي نتجت ، وهو أن يبيع بثمن إلى أن تلد ولد الناقة أو إلى أن تحمل ولد الناقة ، أو هو بيع ولد نتاج الدابة ، وهو إما بيع معدوم ، وإما بيع إلى ذلك الأجل المجهول ، وكل ذلك لا يجوز للغرر والجهالة .
بيع الغرر : كبيع الجنين في بطن أمه ، أو السمك في الماء ، أو المعجوز عن تسلمية ، كالجمل الشارد ، أو مجهول الجنس ، أو المقدار ، ويستثنى من بيع الغرر أشياء إما لتفاهتها ، أو لعدم تميزها عن المبيع :
أ – ما يدخل في المبيع تبعًا ، فلو أفرد لم يصح بيعه ، مثل أساس الدار والدابة في ضرعها اللبن ، أو في بطنها الحمل ، فكل ذلك يشق فصله ويحتاج إليه ما أصل المبيع .
ب – ما يتسامح بمثله لحقارته أو مشقة التمييز ، مثل الجبة المحشوة لا يتميز عنها حشوها إلا بإتلافها .
بيع السلعة قبل قبضها : لحديث : ( من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يستوفيه ) .
ولحديث : ( نهي عن بيع الشيء قبل قبضه ) .
بيع ما ليس عنده : لحديث حكيم بن حزام ؛ قلت : يا رسول الله ، الرجل يسألني البيع وليس عندي ، أفأبيعه ؟ قال : ( لا تبع ما ليس عندك ) .
لاحظ أن الفرق بين السلم وبيع ما ليس عندك أن السلم سلعة موصوفة النوع والمقدار يمكن للبائع الحصول عليها عند حلول الأجل وتسليمها للمشتري في الأجل ، أما بيع ما ليس عندك بيع لسلعة مملوكة لغيرك ولم تفوض في بيعها أو بيع الشيء قبل قبضه وبيع العبد الآبق .
بيع المسلم على المسلم : لحديث : ( لا يبع بعضكم على بيع بعض) . وصورته أن يشتري رجل سلعة بعشرة دراهم ، فيقول له : ردها وأنا أبيعك إياها بتسعة ، أو خير منها بالعشرة ، أو أن يرى بائعًا باع سلعة بعشرة ، فيقول له : افسخ البيع ، وأنا أشتريها منك بإحدى عشر ، ومثلها السوم على سوم أخيه المسلم ، وهو يورث العداء والبغضاء والمشاحنات .
بيعتان في بيعة : مثل أن يتم الإيجاب والقبول في سلعة على سعرين لا يحدد واحد منهما يقول : بعتك إياها بعشرة حالة ، أو بخمسة عشر إلى أجل ، ويمضي البيع دون تحديد أحد السعرين ، ومنها أن يقول : بعتك هذه الدار بكذا ، على أن تبعيني هذه السيارة بكذا ، ومنها أن يقول : بعتك هذه ( الشاة أو هذا الثوب ) بدينار ، ويمضي البيع دون تحديد أحدهما .
بيع الدين بالدين : لحديث : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ ) . ومثاله أن يكون لأحدهما شاة عند آخر يتفقا على أن يتسلمها بعد عام فيبيعها من آخر بدينار يسلمه له بعد ستة أشهر .
بيع العينة : وهي حيلة ربوية ، وصورته : أن يشتري منه سيارة إلى أجل بعشرة آلاف ، ثم يبيعها إليه حالاً بتسعة آلاف ، فكأنه أخذ التسعة آلاف ليردها عشرة ، ووسط السلعة توسيطًا صوريًّا أو يوسط رجل آخر مع السلعة ، لكن إن وقع البيع الثاني بعد البيع الأول بمدة بغير شرط ولا عادة ولا نية جاز ذلك ، ولا يخفى أن الورع ألا يبيعه من نفس من اشتراها منه بعدًا عن شبهة الربا .
ومن صور بيع العينة : أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا نسيئة ، ونص أحمد على كرهه ذلك ، فقال : العينة أن يكون عنده المت


