مع الطب
ويظل السواك في المقدمة
بقلم د. أحمد شاهين أستاذ مساعد بكلية الطب
كان جالينوس (131م – ) من أشهر أطباء التاريخ والملقب لنبوغه من قبل أطباء المسلمين بأبي الأطباء ، برغم ما يتمتع به من روح علمية واعتماد على التجربة والمشاهدة متعاليًا على زملائه ، معتبرًا نفسه خاتم الأطباء ، متخذًا من تفوقه العلمي وسعة اطلاعه وتقدم الوسائل الطبية في عصره – وإن كان بالنسبة لنا الآن جد بدائية – ذريعة لتوجيه اللوم والنقد إلى أطباء عصره ؛ بل لم يسلم منه حتى أستاذه أبقراط ( أبو الطب ) وأول من عرف قدسية مهنة الطب ووضع قسمها المعمول به للآن .
ومما قاله جالينوس في أستاذه : (إن أبقراط كان أول من اهتدى إلى الطريق المستقيم ولكنه لم يسر عليها إلا خطوات ثم تعثر ولم يُلِمّ بالنقاط الهامة ولم يسلم من الغموض ) .
ويمضي ركب الزمان ويتقدم العلم ويشمخ البناء الطبي فينظر الطب إلى جالينوس ومعلوماته التي جاءت في أكثر من 400 مؤلف ( لم يصلنا منها سوى 83 مجلدًا ) .
فيجد فيها من الخطأ أكثر مما فيها من الصواب ، ولو أن جالينوس التمس العذر لأستاذه لكان حقًّا على العلم أن يلتمس له العذر ، ولكن نفس السخرية التي سخرها جالينوس من أستاذه تكون من نصيبه حين يسمعه العلم وهو يقول : (إن الأوردة تنشأ في الكبد ثم تتوزع على الأطراف ، ورحم المرأة له قرنان الأيسر لتكوين الإناث والأيمن لتكوين الذكور ، ووظيفة الرأس هي حمل العينين فقط ، أما باقي الأعضاء فيمكن أن تكون في أي موضع آخر ) ، هذا العلم الذي يسخر دائمًا من الخرافة ويتورع عن الكلام بغير تجربة ومشاهدة هو نفسه الذي ينحني لنصيحة محمد صلي الله عليه وسلم حين يوصي بالسواك !.
أخرج أحمد والشافعي والنسائي والبيهقي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (السواكُ مطهرة للفم ، مرضاة للرب ) .
وهو صحيح وله شواهد انظر التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر .
هل نقول : صدقت يا رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وهو صادق أم نترك ذلك للسان العلم ليقولها هو نفسه ، نعم نتركها للعلم .
تقول التجارب العلمية الحديثة : إن السواك يأتي في مقدمة وسائل العناية بالأسنان ووقايتها وحمايتها فهو – أي : السواك – غني بالفلورين والسيليكون والكالسيوم والبوتاسيوم كما أنه يمتاز بخواص عديدة فهو بأليافه الدقيقة فرشاة تعمل على تنظيف وإزالة الفضلات من بين الأسنان ، كما أنه بما يحتويه من مواد مطهرة ومواد عطرية وأملاح معدنية ومواد مضادة للعفونة وقاتلة للجراثيم يُعدُّ معجونًا مثاليًا ، ليس هذا فحسب بل إنه يعطي الفم رائحة زكية وطعمًا مستساغًا إضافة لسعر منخفض ومصادر متعددة في الطبيعة للحصول عليه ، وإن كان أفضل السواك هو المتخذ من شجر الأراك .
وندخل الآن للمختبر لنتعرف سويًّا على أسباب فاعلية هذا الشيء العجيب المسمى : السواك .
فنجد أن فاعليته ترجع إلى تركيبه الكيميائي وخصائصه الدوائية .
أولاً تكوين السواك الكيميائي :
1- تحتوي بعض النباتات التي يتخذ السواك منها على نسب عالية من الفلورين والسليكون .
ومن المعروف أن الفلورين يقاوم التسوس حيث يعمل على تقوية ميناء الأسنان ، ويعمل أيضًا على إيقاف نشاط البكتيريا المسببة لتسوس الأسنان ، إضافة إلى إزالة اللطع الجرثومية على سطح الأسنان .
2- تحتوي على زيوت أساسية ذات روائح عطرية .
3- تحتوي على العفصيات والراتنجات بتركيز كبير ، وتعمل العفصيات على قبض الأغشية المخاطية للفم واللثة ، أما الراتنجات فتكوِّن طبقة واقية على سطح الأسنان .
4- تحتوي بعض نباتات السواك على الأنثراليتون الذي يعمل على تنظيف الفم والأسنان وتقوية الشهية وتنظيم حركة الأمعاء .
5- تحتوي بعض نباتات السواك على أشباه القلويات التي تكسبها مرارة الطعم والتي تجعل لها تأثيرًا مسكنًا للآلام .
ثانيا : الخصائص الدوائية لنبات السواك :
1- أثبتت الدراسات أن نبات السواك له تأثير مقاوم للجراثيم ومضاد للالتهابات التي قد تُصيب الفم .
2- لنباتات السواك تأثير مسكن للآلام مثل ما يتمتع به – أو أقل من – القرنفل .
3- وتتجلى عظمة السواك أخيرًا فيما أثبتته الدراسات من أن له تأثيرًا مضادًّا للأورام السرطانية كما أنه يحتوي على مواد مثبطة لنشاط الخلايا السرطانية .
د . أحمد شاهين
أستاذ مساعد بكلية الطب


