لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة
كتبه
عبد الحافظ زين العابدين
في جمعة من جمع شهر جمادى الآخرة خطب إمام المسجد خطبة الجمعة، وكان موضوعها الحديث الصحيح المشهور: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)).
وشرح الإمام هذا الحديث شرحاً ضافياً ووافياً، وأسهب في معانيه، وجلى للمصلين أن الحديث يحرم السفر للعبادة أو الزيارة لأماكن معينة يعتقد فيها ويرجى منها حصول خير أو دفع ضر، والإسلام نهى عن السفر والترحال إلى أي مسجد من مساجد الأرض للصلاة فيها غير المساجد الثلاث، ونهى نهياً قاطعاً عن تخصيص قبور معينة بالسفر إليها كقبور الأولياء ومشاهدهم أو الصلاة في مساجدهم، وهذه القبور ليس لها ميزة عن غيرها، إلا أن الناس يعتقدون البركة فيها،وهذه المساجد ليست لها أفضلية عن المساجد كلها، والأفضلية بحق وصدق للمساجد الثلاث، وكل سفر للعبادة في غير المساجد التي ذكرها الحديث الصحيح بدعة من البدع المنكرة، والرسول صلى الله عليه وسلم رغب في السفر إلى المساجد الثلاث لينال المسافر إليها ثواب الصلاة، ولأن أجرها مضاعف في رحابها، وبين الإمام للناس، وقال في كلام واضح أن هناك أموراً يجوز السفر لها كالسعي على العمل، والسفر للتجارة، والمشي في مناكب الأرض لاكتساب الرزق من حلال وأكد الإمام القول بأن السفر للمساجد الموغلة في البعد والزيارة لأوليائها، فإنه سفر لم يرضه الإسلام، وكان حديث الإمام شيقاً ومقبولاً، ولكن بعد انتهاء الصلاة وقف شاب من أنصاف المتعلمين وتكلم في مكبر الصوت معقباً على خطبة الشيخ وقال: إن الشيخ مخطئ فيما يقول، وأنا عندي أكثر من دليل يحض على السفر إلى مشاهد الأولياء وقبورهم والصلاة في مساجدهم، وهذا القول منه عين الباطل، بل هو المين الصارخ، إذ ليس هناك دليل أوثق وأصدق من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد..)) الحديث، ولم يقل صاحب من صحابة رسول الله صلوات الله عليه ولا إمام من أئمة الدين بشد الرحل إلى غير المساجد الثلاث، وكتب السنة أثرت بها المكتبات وهي مع الكثير مع الناس وليس فيها حديث واحد أو أثارة من دليل يقولان بالسفر إلى مساجد الأولياء أو مشاهدهم، إن من يقول بذلك معذور فيما يقول، إذ هو مغلوب على أمره، لأنه مأمور من مشايخه ألا يقرأ كتاباً من هذه الكتب، وإنما يعطى كتيبات مشحونة بالقصص الخرافية والبدع الضالة والنظم الرخيص، وهذه الكتيبات جُعلت على عينه وعيون أمثاله غشاوة كثيفة لا يبصرون بها إلا الغث من الكلام، وجعلت على قلوبهم أكنة حجرية لا يفقهون بها إلا الخرافة، وهؤلاء معذورون، لأنهم يرون دائماً على صفحات الجرائد بعض علماء الأزهر الشريف يشدون الرحال إلى موالد الأولياء ويسافرون لزيارتهم والصلاة في مساجدهم ومشاركة العامة في احتفالاتهم، فهذه المناظرة التي يراها الشباب جديرة أن تنطبع في نفوسهم وتنطق بها ألسنتهم، وبها يحاجون المتمسكين بكتاب الله سبحانه وهدي نبيه عليه الصلاة والسلام، ويكثرون الجدل والمراء، وحجتهم هي سفر العلماء إلى قبور الأولياء، وهي حجج منهم واهية وساقطة ولا تقف أمام الأحاديث الصحيحة التي بها تأتمر وبها ننتهي، لأنها أحاديث رسول الله المعصوم صلوات الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم قدوتنا الطيبة، وأسوتنا الحسنة، ومثلنا الأعلى، وهو القائل: (( كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد)). وهو القائل: ((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما، كتاب الله، وسنتي))، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: ((فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)).
وقال: ((بعثت بالحنيفية السمحة، ومن خالف سنتي فليس مني)).
ومن ناحية أخرى فإن أئمة المساجد لهم أشرف عمل، وأعلى منزلة، لأنهم مقتدون برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يتولى إمامة المسلمين بنفسه، حتى التحق بربه، فيجب تقدير الأئمة واحترامهم، فلا يصح التطاول عليهم والثلب في وعظهم بدون علم أو دليل، وإنما يجب علينا أن نسمع لهم، ونعمل بما يقولون، ما داموا على الجادة بقول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا ألا نميل الميل الباطل مع هوى النفس أو هوى نفوس الناس، بل علينا أن نتبع ولا نبتدع.
والله الهادي إلى سواء السبيل.


