أُسائل الدار
بقلم الشيخ
محمد عبد الحكيم القاضي
أسيرُ فوق جبال الشوك بالقَدَمِ وأستقى من بحار الشك ملءَ فمي
هذا يُقِضُّ منامي كلما هجعت إلى الرقاد جفوني أو هوت قدمي
وذاك يؤذي جبيني كلما انصرفت إلى الحياة همومي واستوت هممي
تطوي بنا إبل الأوهام أودية من الضياع بلا رحل ولا خُطُم
تطوف حول مَراعٍ كلها وخمٌ لكنها من فراغ البطن في تُخَم
مالت بنا وسوادُ البيد يحدجنا إلى ديار لسلمى عند ذي سَلَم
كانت لدى الأمس ملأى من توددها منيرة بجبينٍ مشرقٍ وفمِ
ثريةً بغناء الطير ساحَتُها طريةً من حديث طيبِ النغم
فأصبحت وقد اربدَّت نضارَتُها وضلَّ عنها الضيا في حالِكِ الظُّلَمِ كأنما الشمس ما غدت تراوده ولا النهار ولا هطالة الدِّيما أمَسُّ بالكف أشلاءً مبعثرة وتنظر العين أطلالاً على أطم
أُسائلُ الدار عن خِلٍّ أقام بها غض الوفاءِ كريم غير متهم
أُسائل الدار عن معنى الوداد إذا ضاع الوفاء وغالته يد التهم
أُسائل الدار عن طعم السلام وقد غالت حمائمه هتاكة الحُرَم
أُسائل الدار عن قول بلا عمل وعن فريق بلا رأس ولا حكم
وعن رعاة بلا رأي ولا حلمِ وعن قطيع بطبع الذئب في دمه
وعن ضياع فما في الأرض من أُمم إلا اشتكت من خراب القلب والذمم
وعن جياع على أجسادهم رُفعت حضارة الزيف والأوهام والنقم
أُسائل الدار من بالدار يسمعني إذا شكوت إليها قاطع الرَّحِم
يا دار يا ثرة الأرجاء صاخبة من ذا الذي قد رماك اليوم بالبكم
رأيت يا دار ما لم تعهدي أبدًا من الضلالات والآثام والغُمم
وراوحتك الرياح الهوج راغمة وطوحتك السفوح السودُ بالحممَ
وأنبتت فيك بيد الزور سوسنها فأمطرته السحاب الجوف بالعدم
يا دار ماذا رأت عيناك بعدهم غير اختلاط الزمان المرِّ بالظلم
وصولة الكذب المغرور حين رأى جحافل الحق غالتها يد السقم
وهل رأت عينك المظلوم في صفدٍ يسوده الظالم الأفاك في نعم
يا دار هل في حساب الدهر من نكدٍ فوق الذي نحن فيه اليوم أو ألم
مدامعي شرقت من أدمعي وغدت دفاتري حمما من غضبة القلم
أسائل الدار عن سيف أذود به غوائل الزمن الأفاك عن حرمي
أسائل الدار عن شعرٍ أُريح به قوافل الهــم في صدري وفي حلمي
أسائل الدار عن دار ألوذ بها مدافعا غارة الأعداء عـــن شممي
أسائل الدار عن قبر أدس بها ما قد تبقى لنا من طيب الشــيم
أسائل الدار عن دمع تُسامحني أمي بـه إن رأتي خائر الهمَم


