الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

قصة بناء البيت وبعض الحكم التى بنى من أجلها

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

قصة بناء البيت وبعض الحكم التي بني لأجلها
بقلم الشيخ الدكتور / سعود الشريم
أمام الحرم المكي

أيها الحاج الكريم : لقد جاء إبراهيم – عليه الصلاة و السلام – بهاجر وبابنها إسماعيل وهي ترضعه ، حتى وضعها عند البيت العتيق ، عند دوحة فوق الزمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، فوضعهما هناك ووضع عندهما جرابًا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، ثم قضى إبراهيم منطلقًا فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم ، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي ، الذي ليس فيه أنيس ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مرارًا ، وجعل لا يلتفت إليها ، فقالت له : الله الذي أمرك بهذا ؟ قال : نعم قالت : إذًا لا يضيعنا .
ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية ، حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ، ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه ، فقال : ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) [ إبراهيم : 37] ، وجعلت أم إسماعيل ترضع ولدها إسماعيل ، وتشرب من ذلك الماء ، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فقامت على الصفا ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا ، فلم تر أحدًا ، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا ففعلت ذلك سبع مرات ، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا ، فقالت : صه .
ثم تسمَّعت فسمعت أيضًا ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه بيدها ، فشربت وأرضعت ولدها ، فقال لها الملك : ( لا تخافوا الضيعة ، فإن هذا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ) . رواه البخاري .
الله أكبر ، ما أعظم التوكل ، إنه شعور نفيس ، إنه ما يستطيعه إلا امرؤ وثيق الصلة بربه عز وجل ، فها هي هاجر تتعرض للمحنة ، وتنتظر لطف ربها الذي قالت عنه من قبل : ( إذًا لا يضيعنا ) ، فجاء الفرج وتفجرت زمزم ، وصار الرضيع وذريته أمة كبيرة العدد ، عظيمة الغناء ، وصار من نسله صاحبُ الرسالة العظمى محمد صلوات الله وسلامه عليه .
لقد أصبحت تلكم الأسرة الصغيرة نواة الحياة ، وأصل العمران في ذلك المكان ، وجاءت لصحراء الجزيرة العربية بشرف النبوة والرسالة لا غير ، فصار البيت الحرام لهم وعاء ، وماء زمزم لهم سقاء ، وعناية الله لهم جواء ، وحق لمن خضع لأمر الله ذلك الخضوع أن يكون أهلاً لذلك التكريم ، وأن يقيم بناء البيت الذي تهوي إليه أفئدة أهل الإيمان .
وتمر الأيام ، فيأمر الله إبراهيم – عليه الصلاة و السلام – أن يرفع قواعد البيت ، فقام إبراهيم ببناء البيت العتيق ، يحمل الحجر من على كتف ابنه إسماعيل وهما يقولان : ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ( 127 )رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) [ البقرة : 127 ، 128] ، فاستجاب الله دعاء أبي الأنبياء فهوت القلوب إلى هذا البيت ، ورزق أهله من الثمرات ما كفاهم وأفاض على من سواهم ، وظل بيت الله العتيق ، شامخًا على مر الزمن ، وعناية الله تحفظ لبيت الله حرمته ، وتحيطه بالإجلال والإكبار على مر الدهور والأجيال ، ولا تزال قصة أصحاب الفيل شاهدة على حرمة البيت وعظمته ، ودليلاً على أن من استعز بغير الله ذل ، ومن لجأ إلى غير الله ضل : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ( 1 )أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ( 2 )وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ( 3 )تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ( 4 )فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) [ الفيل : 1 – 5] ، قال أحد الجاهلين حينما أنزل الله بأبرهة الأشرم النقمة :
أين المفر والإله الطالب
والأشرم المغلوب ليس الغالب
وأنشد عبد المطلب جد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وهو آخذ بحلقة باب الكعبة بمناسبة قصة أصحاب الفيل فقال :
عمدوا حماك بكيدهم
جهلاً وما رقبوا جلالك
فولوا لم ينالوا غير خزي
وكان الحينُ يهلكهم هنالك
ولم أسمع بأرجس من رجال
أرادوا العز فانتهكوا حرامك
ثم تتوالي الأيام والذكريات إلى أن يأتي محمد ، صلى الله عليه وسلم ، وهو يرفع الحجر الأسود بيديه الكريمتين ، ليضعه موضعه ، فيطفئ بذلك الفتنة التي كادت تنشب بين كفار قريش .
أيها الحاج الكريم : لقد كان هذا المنهج الذي شرعه الله في بيته الحرام سابقًا لكل محاولات البشر في إيجاد منطقة حرام يلقى فيها السلاح ، ويأمن فيها المتخاصمون ، وتحقن فيها الدماء ، ويجد كل أحد فيها مأواه ، إلا أن البيت العتيق قد آلت سدانت

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا