وقفات مع القصة في كتاب الله
قصة إبراهيم عليه السلام الابتلاء في حياة إبراهيم عليه السلام
بقلم فضيلة الشيخ / عبد الرازق السيد عيد
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين ، أما بعد :
فمن سنن الله في الحياة ابتلاء الناس على قدْرِ دينهم ، فكان أشد الناس ابتلاءً الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، ومن هنا كان هذا الحديث عن الابتلاء في حياة إبراهيم – عليه السلام – ولما كان الابتلاء على قدر الاجتباء كان الابتلاء في حياة إبراهيم – عليه السلام – عظيمًا عِظَم اصطفائه ، ولذلك استحق أن يُفْرَد بحديث ، وقد امتد الابتلاء في حياة إبراهيم – عليه السلام – في مختلف مراحلها .
· أولاً : ( ابتلاء إبراهيم – عليه السلام – بأبيه ) .
· شبّ إبراهيم – عليه السلام – عن طوق الرشد فوجد أباه ليس فقط يعبد الأصنام ، بل من سدنتها والمنتفعين من وجودها ، ولذلك كان من الصعب عليه اتباع ما جاء إبراهيم – عليه السلام – من علم التوحيد ، ولم يقف ( آزر ) عند حدِّ رفض الإيمان بما جاء به ابنه إبراهيم ، بل هدّد إبراهيم وتوعده ، وأمره بالهجرة عنه : ( قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ ءَالِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) [ مريم : 46] . كل ذلك على الرغم من تلّطِّفِ إبراهيم – عليه السلام – في دعوة أبيه ، وأدبه الجمَّ معه على ما سنذكره إن شاء الله عند الحديث عن دعوة إبراهيم – عليه السلام –
· ثانيًا : ابتلاء إبراهيم – عليه السلام – بقومه .
لم يكن والد إبراهيم – عليه السلام – بمعزل عن قومه ، بل كان يمثل شريحة من قومه ، وهي شريحة الملأ الذين استكبروا ، وهم أصحاب النفوذ وأصحاب الجاه والسلطان وأعوان الملك الغاشم الظالم ( النمرود ) .
ولذلك كانوا هم قادة الإعراض عن دعوة إبراهيم – عليه السلام – وكيف لا يصدُّون الناس عن دين إبراهيم – عليه السلام – وقد نظروا فوجدوا سلطانهم القائم على الباطل مصالحهم المادية تقوم على تجارة الأصنام ، وانصياع الناس لهم بعبادتهم للأصنام ، نظر القوم في الأمر فخافوا على مصالحهم المادية ، وتمسكوا بأوضاعهم الاجتماعية حتى ولو كانوا على الباطل وهم كذلك وإبراهيم – عليه السلام – على الحق وهو كذلك .
ومن هنا أضرموا العداوة لإبراهيم – عليه السلام – وكانت عدواتهم بمقدار ما جمعوا من حطب للنار التي أردوا إحراق إبراهيم – عليه السلام – بها ، وقد جاءت الروايات تفيد كثرة ما جمعوا مع طول المدَّة التي جمعوا فيها الحطب حتى أن المرأة الحامل كانت تَنِذرُ إن هي وضعت بسلام أن تشارك في جمع الحطب لنار إبراهيم – عليه السلام – إنها نار الغضب التي تأججت به قلوبهم تبرمًا بإبراهيم – عليه السلام – ودعوته ، فأرادوها نارًا تأكل إبراهيم – عليه السلام – ودعوته ، ولا تبقي لهما أثرًا .
( فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِين ) [ الصافات : 98] ، هم أرادوا الكيد بإبراهيم – عليه السلام – لكن الله كاد لنبيِّه وخليله إبراهيم – عليه السلام – وجعل كيد القوم في خسران مبين : ( قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم ) [ الأنبياء : 69] ، وكانت هذه عاجل البشرى لإبراهيم – عليه السلام – وأما الأخرى فوهب الله له الذرية الصالحة ، والتي جعل فيها النبوة والكتاب : ( وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ(99)رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ(100)فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ) [ الصافات : 99 – 101] .
والغلام الحليم هنا هو إسماعيل – عليه السلام – وقال تعالى : ( فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا ) [ مريم : 49] أي : لما اعتزل إبراهيم – عليه السلام – أباه وقومه وهاجر بدعوته إلى الشام وهبه الله إسحاق ويعقوب ، فآيات سورة الصافات خصَّت بالذكر إسماعيل ، وآيات سورة مريم والأنبياء خصَّت إسحاق ويعقوب – عليهما السلام – وكلُّهم آتاهم الله النبوة والكتاب .
· ثالثًا : الابتلاء بشدِّة العيش في الشام :
واجه إبراهيم – عليه السلام – وزوجه سارة ، وابن أخيه لوط – عليهم السلام – واجهوا شدِّة الحياة في أرض المهجر ( الشام ) مما اضطر إبراهيم – عليه السلام – أن يخرج وزجه ( سارة ) متوجهًا إلى مصر طلبًا للرزق ، وكانت مصر آنذاك مقصدًا للطالبين .
· رابعًا : الابتلاء في الأهل :
لما توجه إبراهيم – عليه السلام – إلى مصر ، وكان لفرعون حاكم مصر عيونًا في كل مكان ينقلون له الأخبار والأحوال ، فَعَلِم أن وافدًا جاء معه امرأة جميلة ، وكانت سارة – عليها السلام – على جانب كبير من الجمال ، فأرادها الفرعون لنفسه ، وأرسل في استحضّارها ، واعتصم إبراهيم – عليه السلام – بربه ولجأ إليه ، وكذلك فعلت ( سارة )


