في نور القرآن الكريم
– 2 –
قد جاءكم من اللَّه نور وكتاب مبين
للأستاذ : سيد رزق الطويل
المدرس بالمدارس الثانوية بالجيزة
فالله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا ، والدين الخالص لله وحده ، قال تعالى في سورة الزمر : { ألا لله الدين الخالص } .
فالدين بمعنى العبودية والذل ، والتسلط الروحي على الإنسان لا يكون إلا لرب الناس وخالقهم والعالم بما توسوس به نفوسهم .
وحتى يتبين لنا قيمة الإخلاص وأنه مناط العقيدة كما أسلفت لا بد أن نتأمل أمر الله لرسول ؟ إذ يقول له : { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ } .
فلا يريد الله من رسوله مجرد عبادة له ، وإنما يريدها عبادة خالصة لوجهه ، ومن هنا عندما يتحدث القرآن عن عقيدة رسول الله على لسان رسول الله يقول تعالى في سورة الزمر : { قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ . وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ } .
ولا يريد الله من أهل الكتاب في القرآن إلا إخلاص العبادة له وبالإخلاص وحده ، يستقيمون على النهج القويم الذي يرضاه الله ، يقول تعالى في سورة البينة : { وَمَا أُمِرُوا إِلاَ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } .
ودعوة عامة لكل مسلم بأن يلتزم الإخلاص باعتباره محك العقيدة الخالصة الصادقة فيقول تعالى : { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } .
وقال تعالى في سورة غافر : { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } ، وقال تعالى في نفس السورة : { هُوَ الْحَيُّ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } .
وفي أربعة مواطن من الكتاب العزيز يصف لنا القرآن جانبًا من الزيف في عقيدة المشركين ، وأنهم لا يعرفون الإخلاص في العقيدة إلا بعد أن تحزبهم نائبة ، فإذا كشف عنهم عادوا إلى ما كانوا عليه من زيف وضلال .
يقول تعالى في وصف المشركين : { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } .
ففي المحقنة عرفوا ، وعندما تنجلي عنهم بإذن اللَّه : { فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } .
ونفس الموقف في سورة العنكبوت : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } . فإخلاص المشركين عندما تدهمهم شدة حتى إذا فرجت عنهم عادوا إلى ما كانوا فيه من زيغ وضلال .
ونفس الموقف في سورة لقمان : { وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } .
هذه هي عقيدة المشركين تقوم على زيف وضلال .
فهم لا يجرءون أو قل لا يستطيعون أن يجحدوا ربهم خالقًا ورازقًا وربًا بكل ما تحمل الربوبية من معنى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ } .
و { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } .
{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } .
وهذا هو توحيد الربوبية عرفه المشركون ومبلغ ما يصل بصاحبه أنه يعرفه بربه في الضراء ، أما في السراء فيلبس هذا الإيمان بظلم وبهتان ويتخذ له الأنداد والوسطاء .
وعندما تسائل هؤلاء أنتم تعرفون اللَّه ربًا ، فما بالكم لا تعرفونه معبودًا واحدًا ؟ ما بال هؤلاء الأنداد ؟ ويكون جوابهم ما حدثنا القرآن عنهم : { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } .
فماذا أصاب عقيدة المشركين إذًا ؟ أصابها شرك أو ظلم ؛ لأنهم صرفوا الحق عن صاحبه ، وسووا بين من يخلق ومن لا يخلق واتخذوا من دون اللَّه أندادًا يحبونهم كحب اللَّه .
أجل : إنه ظلم ؟ وأي ظلم ؟ إن الشرك لظلم عظيم .
ثم ماذا فقدت عقيدة المشركين ؟ إنها فقدت الإخلاص ، والإخلاص وحده . ولهذا جاء القرآن يدعو إلى الإخلاص إخلاص العقيدة ، وما يحمل القلب من مشاعر وعواطف ونزعات لله ، وبالإخلاص يكون إيماننا صاصدقًا ، لأننا سنعرف الله معبودًا واحدًا كما نعرفه ربًا خالقًا ورازقًا .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة .


