عقائد الصوفية في ضوء الكتاب والسنة
الأضرحة عند الصوفية
بقلم عميد متقاعد
محمود المراكبي
الحمد للَّه الذي هدانا إلى الإسلام ، ووجه قلوبنا إلى توحيده وإفراده بالألوهية والربوبية ، ودلنا كتابه وسنة نبيه على الصراط المستقيم ، وسبيله الموصل إلى رضوانه العظيم ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، من تمسك بسنته فقد هدي إلى السبيل القويم ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فقد قَلَبَ الصوفية الهدف من زيارة القبور رأسـًا على عقب ، فبدلاً من الزيارة للاعتبار وتذكر الموت ، نجد الضريح ليس مجصصـًا فقط كما نهت الأحاديث ، وإنما ترى الضريح الآن محاطـًا بسياج من الذهب أو الفضة الخالصة ، ومضاء بألوان السرج الحديثة والإضاءة المختلفة ، ومرتفعـًا عن الأرض ، يطوف الناس حوله ويقبلون الضريح وأعتابه ، ويطلقون البخور ، ويطيبون المكان بمختلف ألوان الطيب ، فلا أعتقد أن الزائر لهذا المكان يخطر على باله الموت والبلى ، أو لحد الميت في التراب ، لا ينير قبره إلا عمله الصالح ، وفي نفس الوقت تحول هدف الزائر من الدعاء للميت إلى طلب الدعاء من الميت ، وبعد أن شد الناس الرحال إلى أضرحة المشايخ ، وطلبوا منهم قضاء الحوائج والتوسط لتحقيق المراد ، ومن ثَم زال هدف الشرع الحكيم من زيارة القبور !!
ويجب النظر إلى اهتمام الصوفية بالأضرحة على أساس غلو المريدين في مشايخهم ومقدرتهم على التصريف واجتماعاتهم في الديوان ، ولذلك فزيارة القبور تحصيل حاصل على فهم الصوفية عن الأبدال والأوتاد والأقطاب ، فالزائر في حقيقة الأمر لا يخطر على باله أهداف الإسلام من زيارة القبور ، فهو لا يزور قبرًا ، وإنما يزور قطبـًا صوفيـًّا له صفات وقدرات منحتها له المفاهيم الصوفية التي عرضناها بالتفصيل في المقالات السابقة ، ولذلك لا يلتقي هدي من يريد اتباع النبي r مع بدع وضلال من يقلد شيخـًا من مشايخ الصوفية ، فالأمر في حقيقته مختلف تمامـًا ، ولذلك يحرص المشايخ ويخطط الأحياء منهم لبناء قبورهم على شكل ضريح ، بحيث يصبح له مقام بعد موته ، ومنهم من لا ينفق على بناء ضريحه من خالص ماله ، وإنما هذه مهمة الأتباع والمريدين ، وقد كان أحد خلفاء الشيخ حريصـًا كل الحرص على بناء ضريح له بعد هلاكه ليدفن فيه، لذا فقد أشاع بين أتباعه ومريديه أكثر من مرة أنه علم قرب انقضاء أجله ، ثم دعى مهندسـًا معماريـًّا من مريديه ، وطلب منه أن يبني له ضريحـًا على شكل ضريح تاج محل ، ويستعد تمامـًا لتنفيذه بأسرع وقت ممكن ، حتى إذا وافته المنية دفن في مسجد التحرير بمصر الجديدة ، وقد أعان اللَّه تعالى أحد الأحباب فوقف لهذا الأمر بالمرصاد حتى استحال على الشيخ تنفيذ أفكاره ، ومن ساعتها وهو يعتبرنا من ألد أعدائه .
اختصاص أضرحة الصوفية :
يؤمن الدكتور الشرقاوي بأهمية الأضرحة وأسرارها الباطنية ، لذا فقد ألف كتابـًا أسماه (( الحكومة الباطنية )) ، ثم ذكر في الفصل الذي أسماه (( الجامعة السطوحية )) ( نسبة إلى السطوح الذي أقام فيه أحمد البدوي ) ، عن مقام البدوي ودرجته الباطنية ، يقول فيه : ومن البحث الميداني اتضح أن عدد الأولياء بمدينة طنطا نفسها ثلاثة وثلاثين وليـًّا ، يختص كل منهم بكرامة معروفة ، ويمتاز بها عن غيره من الأولياء :
البدوي : برغم وجود ضريح البدوي بالمنطقة ، فإن هذا لا يمنع الناس من الاعتقاد في أتباعه ووزرائه من الأولياء ، وعلى العكس من ذلك تمامـًا ، فإن مريدي البدوي في اعتقاد العامة أيسر في استجابة الطلبات ، وفي حل المشاكل ، ونصرة المظلوم ، وفك المربوط ؛ لأن البدوي في اعتقادهم قطب عظيم ( وأن مدده عال ) ، وأنه للوصول إليه يتطلب شفاعة بعض أنصاره وأتباعه .
عبد العال الأنصاري : هو خليفة البدوي ، وواسطته والشفيع لديه ، ولذلك فإن الناس الذين يزورون ضريح البدوي لا يفوتهم قراءة الفاتحة وزيارة ضريحه الموجود بجامع البدوي ، بل طلب حاجتهم منه ، باعتباره خليفة البدوي وتلميذه ونائبه .
عز الرجال : مشهور عنه شفاء أمراض الأطفال ، ولذلك تأتي إليه النساء من كل حدب وصوب ، حاملات أطفالهن المرضى بغية الشفاء ، وهو معروف عنه شفاء الأطفال من المس الروحي ، وغيره من الأمراض العصبية ، وهو مغربي الأصل ، ويقام له مولد ويزار وتزداد شهرته سنة بعد أخرى .
مرزوق : من أهل النجدة ؛ ومن كراماته أنه لا يقصده مظلوم إلا وينصره ، وكثيرًا من النساء يذهبن بعد صلاة الجمعة إلى مقامه ، ويقمن بكنس الضريح على الظالم ، وهذا يعني كنسه من الدنيا !!
محمد البهي : كان عارفـًا بعلم الحرف ، ودعوته مستجابة ، يُقال : إن مسجده الحالي ما زال يصلي فيه البدوي حتى الآن !!
علي الحامولي : مشهور عنه زواج العانس ، ولذلك يردد الزوار – من النساء طبعـًا – قولهم : سيدي يا حامولي ، جوزني وأنا أجيب لك شمعة طولي !!
أحمد البابلي – الذي كان مقرئـًا في حضرة البدوي -: يشتهر عنه نصرة ا


